الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

{ فلما قضينا عليه الموت } بالفناء فيّ في مقام السرّ { ما دلهم على موته إلا دابة الأرض } أي: ما اهتدوا إلى فنائه في مقام الروح وتوجهه إلى الحق في حال السرّ إلا بحركة الطبيعة الأرضية وقواها البدنية الضعيفة الغالبة على النفس الحيوانية التي هي منسأته إذ لا طريق لهم إلى الوصول إلى مقام السرّ ولا وقوف على حال القلب فيه ولا شعور بكونه في طور وراء أطوارهم إلا برابطة اتصال الطبيعة البدنية المتصلة به، المقهورة بالقوى الطبيعية لضعفها بالرياضة وانقطاع مدد القلب عنها حينئذ أي: لا يطلعون إلا على حال الدابة التي تأكل المنسأة بالاستيلاء عليها لأن النفس الحيوانية عند عروج القلب ضعفت وسقطت قواها ولم يبق منها إلا القوى الطبيعية الحاكمة عليها { فلما خرّ } من صعقته الموسوية وذهل في الحضور والاشتغال بالحضرة الإلهية عن استعمالها في الأعمال وإعمالها بالرياضات { تبينت الجنّ أن لو كانوا يعلمون } غيب مقام السرّ بالاطلاع على المكاشفات لو كانوا مجرّدين { ما لبثوا في العذاب المهين } من الرياضة الشاقة التي تمنعهم الحظوظ والمرادات ومقتضيات الطباع والأهواء بالمخالفات والإجبارعلى الأعمال المتعبة في السلوك والاقتصار بها على الحقوق. { لقد كان لسبأ } أهل مدينة البدن { في مساكنهم } في مقارّهم ومحالهم { آية } دالة لهم على صفات الله وأفعاله { جنتان } جنة الصفات والمشاهدات عن يمينهم من جهة القلب والبرزخ التي هي أقوى الجهتين وأشرفهما، وجنّة الآثار والأفعال عن شمالهم من جهة الصدر والنفس التي هي أضعف الجهتين وأخسّهما { كلوا من رزق ربّكم } من الجهتين كقوله:لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة، الآية:66]، { واشكروا له } باستعمال نِعَم ثمراتها في الطاعات والسلوك فيها بالقربات { بلدة طيبة } باعتدال المزاج والصحة { وربّ غفور } يستر هيئات الرذائل وظلمات النفوس والطباع بنور صفاته وأفعاله، فلكم التمكين من جهة الاستعداد والأسباب والآلات والتوفيق بالإمداد وإفاضات الأنوار.