الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

{ ولقد آتينا داود } الروح { منّا فضلاً } بعلوّ الرتبة وتسبيح المشاهدة والمناغاة في المحبة مع مزيد العبادة والتفكّر والكمالات العلمية العملية، بأن قلنا: { يا جبال } الأعضاء { أوبي } أي: سبحي { معه } بالتسبيحات المخصوصة بك من الانقياد والتمرن في الطاعات بالحركات والسكنات والأفعال والانفعالات التي أمرناك بها وطير القوى الروحانية بالتسبيحات القدسية من الأذكار والإدراكات والتعقلات والاستفاضات والاستشراقات من الأرواح المجرّدة والذوات المفارقة كل بما أمر { وأَلنّا له } حديد الطبيعة الجسمانية العنصرية { أن اعمل سابغات } من هيئات الورع والتقوى فإن الورع الحصين في الحقيقة هو لباس الورع الحافظ من صوارم دواعي أعادي النفوس وسهام نوازع الشياطين { وقدّر } بالحكمة العملية والصنعة المتقنة العقلية والشرعية في ترغيب الأعمال المزكية ووصول الهيئات المانعة من تأثير الدواعي النفسية { واعملوا } أيها العاملون لله بالجمعية في الجهة السفلية إلى الجهة العلوية عملاً صالحاً يصعدكم في الترقي إلى الحضرة الإلهية ويعدّكم لقبول الأنوار القدسية. والخطاب لداود الروح وآله من القوى الروحانية والنفسانية والأعضاء البدنية. { ولسليمان } القلب ريح الهوى النفسانية { غدوّها شهر } أي: جريها غداة طلوع نور الروح وإشراق شعاع القلب وإقبال النهار سير طور في تحصيل الأخلاق والفضائل والطاعات والعابدات والصوالح التي تتعلق بسعادة المعاد { ورواحها } أي: جريها رواح غروب الأنوار الروحية في الصفات النفسية وزوال تلألؤ أشعتها، وإدبار نهار النور سير طور آخر في ترتيب مصالح المعاش من الأقوات والأرزاق والملابس والمناكح وما يتعلق بصلاح النظام وقوام البدن. { وأسلنا له عين } قطر الطبيعة البدنية الجامدة بالتمرين في الطاعات والمعاملات { ومن } جنّ القوى الوهمية والخيالية { من يعمل بين يديه } بحضوره في التقديرات المتعلقة بصلاح العالم وعمارة البلاد ورفاهية العباد والتركيبات والتفضيلات المتعلقة بإصلاح النفس واكتساب العلوم { بإذن ربّه } بتسخيره إياها له وتيسيره الأمور على أيديها { ومن يزغ منهم عن أمرنا } بمقتضى طبيعته الجنيّة وينحرف عن الصواب والرأي العقليّ بالميل إلى الزخارف النفسية واللذات البدنية { نذقه من عذاب السعير } بالرياضة القوية وتسليط القوة الملكية عليها بضرب السياط النارية من الدواعي العقلية القهرية المخالفة للطباع الشيطانية.