الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

{ ألم تر } أن فلك البدن تجري في بحر الهيولى بإفاضة آثار صفاته من الحياة والقدرة والإدراك عليه وإعداده بالآلات { بنعمة الله } أي: لقبول الكمالات عليه { ليريكم } بهذا الجري والاستعداد من آيات تجليات أفعاله وصفاته { إنّ في ذلك لآيات } من تجليات أفعاله وصفاته، إذ لا تظهر إلا على هذا المظهر { لكل صبّار } يصبر مع الله في المجاهدة عن ظهور أفعال نفسه وصفاتها لأحكام مقام التوكل والرضا { شكور } يشكر نِعَم التجليات بالقيام بحقها والعمل بأحكام مقام التوكل في تجليات الأفعال وأحكام مقام الرضا في تجليات الصفات ليكون على مزيد من جلاله. { وإذا غشيهم موج } من غلبات صفات النفس ومقتضيات الطبع { كالظلل } كالحجب الساترة لأنوار التجليات { دعوا الله مخلصين له الدين } التجؤوا إلى الله بالإخلاص والقيام بحقه في مقامهم لتنكشف الحجب ببركة الثبات على العمل بالإخلاص، فإن السالك إذا حجب بالتلوين عن المقام الأعلى وجب عليه التثبيت في المقام الذي دونه مما هو ملك له كالإخلاص بالنسبة إلى التوكل { فلما نجاهم } بالتجلي الفعلي إلى أبرّ مقام التوكل والأمن من الغرق في بحر الهيولى بغلبات النفس { فمنهم مقتصد } ثابت على العدل في القيام بحقوق التوكل والسير في أفعاله تعالى على التمكين { وما يجحد بآياتنا } بإضافة حقوق مقامه في التجليات واحتجابه عنها في التلوينات { إلا كلّ ختار } يغدر في الوفاء بعقد العزيمة وعهد الفطرة مع الله عند الابتلاء بالفترة { كفور } لا يستعمل نِعَم الله في مراضيه ولا يقضي حقوق مقامه في التجليات، ولا يعمل بأعمال أهل التوكل والرضا عند ظهور أنوار الأفعال والصفات، أو تلك الشريعة تجري مراكبها في هذا البحر إلى ساحل برّ النجاة وجنّة الآثار ليريكم من آيات تجليات الأفعال. { اتّقوا ربّكم } احذروه في الظهور بأفعالكم وصفاتكم وذواتكم بالفناء فيه عنها { واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده } لانقطاع الوصل عند بروزكم لله المتجلى بالوحدة والقهر ولا يبقى وجود للوالد والولد، فلا يجزي بعضهم عن بعض شيئاً { فلا تغرّنكم الحياة الدنيا } من الحياة القلبية التي هي أقرب إليكم بأنها حقيقة دائمة فإنه لا حياة لأحد حينئذ { ولا يغرّنكم بالله الغرور } فتظهروا بالأنائية وتحتجبوا بوسوسته فتقعوا في الطغيان. { إنّ الله عنده عِلْم الساعة } الكبرى لفناء الكل فيه حينئذ فكيف بعلومهم { وينزل } غيث ذلك بحسب الاستعدادات قبل الفناء { ويعلم ما في } أرحام الاستعداد من الكمالات أهي تامّة أم لا؟ أو في أرحام النفوس من أولاد القلوب أهي رشيدة كاملة أم لا؟، { وما تدري نفس ماذا تكسب } من العلوم والمقامات في الزمان المستقبل لاحتجابها عما في استعدادها { وما تدري نفس بأيّ أرض } من أراضي المقامات { تموت } ويفنى استعدادها لانقضاء ما فيها من الكمالات، لأن علم الاستعدادات وحدودها مما استأثر به الله تعالى لذاته في غيب الغيب، والله تعالى أعلم.