الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ واختلاف ألسنتكم } من لسان النفس والقلب والسرّ والروح والخفاء بكل مقال في كل مقام، فإنه لا ينحصروجوه اختلافات هذه الألسن { وألوانكم } تلوّناتكم للعلماء العارفين في مراتب علومهم { منامكم } غفلتكم في ليل النفس ونهار القلب بظهور صفاتها { وابتغاؤكم من فضله } بالترقي، فيفهمون معناه بحسب مقاماتهم في الأطوار. { يريكم } برق اللوامع والطوالع في البدايات، خائفين من انقضاضها وخفوقها وبقائكم في الظلمة بفواتها، وطامعين في رجوعها ومزيدكم بها،وينّزل مياه الواردات والمكاشفات بعدها من سماء الروح وسحَاب السكينة، فيحيي بها أراضي النفوس والاستعدادات الهامدة بعد موتها بالجهل { يعقلون } بمطاوعة نفوسهم للدواعي العقلية معاني الواردات وما يصلحهم من الحكم والمعقولات. { وله المثل الأعلى } أي: الوصف الأعلى بالفردانية في الوجود والوحدة الذاتية، وما أحسن قول مجاهد في معناه أنه: لا إله إلا هو. { فأقِمْ وجهك } لدين التوحيد وهو طريق الحق تعالى، ولذلك أطلق من غير إضافة أي: هو الدين مطلقاً وما سواه ليس بدين لانقطاعه دون الوصول إلى المطلوب، والوجه هو الذت الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها، وإقامته للدين تجريده عن كل ما سوى الحق قائماً بالتوحيد والوقوف مع الحق غير ملتفت إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون سيره حينئذ سير الله ودينه وطريقته اللذان هو عليهما دين الله وطريقته إذ لا يرى غيره موجوداً { حنيفاً } مائلاً منحرفاً عن الأديان الباطلة التي هي طرق الأغيار والأنداد لمن أثبت غيره فأشركه بالله { فطرة الله } أي: الزموا فطرة الله، وهي الحالة التي فطرت الحقيقة الإنسانية عليها من الصفاء والتجرّد في الأزل وهي الدين القيّم أزلاً وأبداً، لا يتغير ولا يتبدّل عن الصفاء الأول، ومحض التوحيد الفطري. وتلك الفطرة الأولى ليست إلا من الفيض الأقدس الذي هو عين الذات، من بقي عليها لم يمكن انحرافه عن التوحيد واحتاجبه عن الحق، إنما يقع الانحراف والاحتجاب من غواشي النشأة وعوارض الطبيعة عند الخلقة أو التربية والعادة. أما الأول فلقوله عليه السلام في الحديث الرباني: " كل عبادي خلقت حنفاء فاحتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري " وأما الثاني فلقوله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرانه " ، لا أن تتغير تلك الحقيقة في نفسها عن الحالة الذاتية فإنه محال، وذلك معنى قوله: { لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القَيْم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون } تلك الحقيقة.