الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

{ فمن تولى بعد ذلك } أي: بعدما علم عهد الله مع النبيين وتبليغ الأنبياء إليه ما عهد الله إليهم { فأولئك هم الفاسقون } الخارجون عن دين الله ولا دين غيره معتد به في الحقيقة إلا توهماً { أفغير دين الله يَبْغون } وكلّ من في السموات والأرض يدين بدينه { طَوْعاً } كما عدا الإنسان والشيطان { وكرهاً } كالإنسان والشيطان إذ الكفر لا يسع موجوداً سواهما، فكلهم ممتثلون لما أمرهم الله، طائعون. والإنسان لاحتجابه بإرادته ونسيانه عهد الله وقبوله لدعوة الشيطان لمناسبته إياه بالظلمة النفسانية لا يؤمن ولا ينقاد إلا كرهاً، اللهمّ إلا من عصمه الله واجتباه، والشيطان لاحتجابه بعجبه وأنيته في قوله:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْه } [الأعراف، الآية: 12] وإبائه، واستكباره كفر، وهو مع ذلك يعلم عصيانه ويؤمن كرهاً، ويتحقق أن كفره بإرادته تعالى وذلك عين الإيمان، كما قال تعالى:كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِين } [الحشر، الآية: 16]، وقال تعالى:وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَاب } [الأنفال، الآية: 48]، وفي موضع آخر:وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْل } [إبراهيم، الآية: 22]، فهذه الآيات دالة على إيمانه ولكن حين لا ينفعه { وإليه ترجعون } في العاقبة، فلا يبقى دين غير دين الله بل الكلّ عند الرجوع يدين بدينه.
كلّ يدين بدين الحق لو فطنوا   وليس دين لغير الحق مشروع