الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ إن مثل عيسى } أي: إنّ صفته عند الله في إنشائه بالقدرة من غير أب { كمثل آدم } في إنشائه من غير أبوين. واعلم أنّ عجائب القدرة لا تنقضي ولا قياس ثمة على أن لتكوّن الإنسان من غير الأبوين نظيراً من عالم الحكمة، فإن كثيراً من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقاً في ساعة، ثم تتناسل وتتوالد، فكذا الإنسان، يمكن حدوثه بالتولد في دور من الأدوار، ثم بالتولد، وكذا التكوّن من غير أب، فإنّ منيّ الرجل أحرّ كثيراً من منيّ المرأة، وفيه القوة العاقدة أقوى كما في الأنفحة بالنسبة إلى الجبن، والمنعقدة في منيّ المرأة أقوى، كما في اللبن فإذا اجتمعا تمّ العقد وانعقد، ويتكوّن الجنين. فيمكن وجود مزاج إناثيّ قوي يناسب المزاج الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان، فيكون المتولد في كليتها اليمنى بمثابة منيّ الذكر لفرط حرارته بمجاورة الكبد لِمَن مزاج كبدها صحيح قويّ الحرارة، والمتولد في كليتها اليسرى بمثابة منيّ الأنثى فإذا احتملت المرأة لاستيلاء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر، ومحاكاة الخيال، ذلك كما قال تعالى: { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّا } [مريم، الآية: 17] سبق المنيّان من الجانبين إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب الأيمن قوّة العقد أقوى، وفي المنصب من الجانب الأيسر قوّة الانعقاد، فيتكوّن الجنين ويتعلق به الروح. وقوله: { كُنْ فَيَكون } إشارة إلى نفخ الروح وكونه من عالم الأمر ليس مسبوقاً بمادة ومدة، كخلق الجسد، فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في اشتراكهما في خرق العادة وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر، مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعاً من عالم الأمر ليس مسبوقاً بمادة ومدة.