الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

وكذا قالت ملائكة القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة { إن الله اصْطفاكِ } لتنزّهك عن الشهوات { وطهرك } عن رذائل الأخلاق والصفات المذمومة { واصطفاكِ على نسَاء } نفوس الشهوانية الملونة بالأفعال الذميمة والملكات الرديئة { يا مَرْيم } أطيعي لربك بوظائف الطاعات والعبادات { واسْجدي } في مقام الانكسار والذلّ والافتقار والعجز والاستغفار { واركَعي } في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين. { ذلكَ من أنبَاء الغَيب } أي: أحوال غيب وجودك { نُوحِيه إليكِ } يا نبيّ الروح { وما كنت لدَيهم } لدى القوى الروحانية والنفسانية، أي: في رتبتهم ومقامهم { إذْ يلقون أقلامهم أيهم يَكفل مريم } أي: يتسابقون في سهامهم ويتبادرون في حظوظهم أيهم يدبر مريم النفس ويكفلها بحسب رأيه ومقتضى طبعه يترأس عليها ويأمرها بما يراه من مصلحة أمره { وما كنت لدَيهم } في مقام الصدور الذي هو محل نزاع القوى الروحانية والنفسانية ومحل نزاعهم الذي هو الصدر { إذْ يَخْتَصِمون } يتنازعون ويتجاذبون في طلب الرياسة عند ظهوره قبل الرياضة وفي حالها، إذ غلبت ملائكة القوى الروحانية بتوفيق الحق بعد الرياضة. وقالت لمريم النفس: { إنّ الله يبشّرك بِكَلمة } القلب موهوباً { منه اسمُه المَسِيح } لأنه يمسحك بالنور { وجيهاً في الدنيا } لإدراكه الجزئيات وتدبير مصالح المعاش أجود وأصفى وأصوب ما يكون، فيطيعه ويذعن له، ويحتشمه ويعظمه، أنس القوى الظاهرة وجنّ القوى الباطنة { و } في { الآخِرَة } لإدراكه المعاني الكليّة والمعارف القدسيّة وقيامه بتدبير المعاد والهداية إلى الحق، فنعطيه ملكوت سماء الروح، ونكرمه. ومن جملة مقربي حضرة الحق قابلاً لتجلياته ومكاشفاته { ويكلم الناس } في مهد البدن { وكهلاً } بالغاً إلى قرب طور شيخ الروح، غالباً عليه بياض نوره { ومن الصالحين } لمقام المعرفة.