الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }

{ وما كان لنبيّ أن يغلّ } لبعد مقام النبوّة وعصمة الأنبياء عن جميع الرذائل، وامتناع صدور ذلك منهم مع كونهم منسلخين عن صفات البشرية، معصومين عن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم، قائمين بالله متّصفين بصفاته { يأت بما غلّ } أي: يظهر على صورة غلوله بما غلّ بعينه. { أفَمَن اتّبع رضوان الله } أي: النبيّ في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات، لاتصافه بصفات الله، والغالّ في مقام السخط لاحتجابه بصفات نفسه { ومأواه } أسفل حضيض النفس المظلمة، فهل يتشابهان؟ { هم درجات } أي: كل من أهل الرضا وأهل السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختلاف الدرجات { قل هو من عند أنفسكم } لا ينافي قوله تعالى:قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء، الآية: 78] لأنّ السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى، والسبب القابليّ أنفسهم، ولا يفيض من الفاعل إلا ما يليق بالاستعداد ويقتضيه، وباعتبار الفاعل يكون من عند الله، وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم. واستعداد الأنفس إما أصليّ وإما عارضيّ، والأصلي من فيضه الأقدس على مقتضى مشيئته، والعارضي من اقتضاء قدره. فهذا الجانب أيضاً ينتهي إليه، ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضاً يكون من الله نظراً إلى التوحيد، إذ لا غير ثمة { وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا } أي: وليتميز المؤمنون والمنافقون في العلم التفصيليّ. { ولا تحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله } سواء كان قتلهم بالجهاد الأصغر، وبذل النفس طلباً لرضا الله، أو بالجهاد الأكبر، وكسر النفس، وقمع الهوى بالرياضة { أمواتاً بل أحياء عند ربّهم } بالحياة الحقيقية مجرّدين عن دنس الطبائع، مقرّبين في حضرة القدس { يُرْزَقون } من الأرزاق المعنوية، أي المعارف والحقائق واستشراق الأنوار، ويرزقون في الجنّة الصورية كما يُرْزق سائر الأحياء. فإنّ للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية، ولكل من المعنوية والصورية درجات على حسب الأعمال، فالمعنوية جنّة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل الجبروت والملكوت، والصدورية جنّة الأفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم المُلك من السموات العلى، وجنات الدنيا وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لما أُصِيبَ إخوانكم بأُحد، جَعَل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تدور في أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، معلقة في ظلّ العرش " فالطير الخضر: إشارة إلى الأجرام السماوية، والقناديل هي الكواكب، أي تعلقت بالنيرات من الأجرام السماوية لنزاهتها، وأنهار الجنة منابع العلوم ومشارعها، وثمارها الأحوال والمعارف والأنهار، والثمار الصورية على حسب جنتهم المعنوية أو الصورية. فإنّ كل ما وجد في الدنيا من المطاعم والمشارب والمناكح والملابس وسائر الملاذ والمشتهيات، موجود في الآخرة وفي طبقات السماء ألذّ وأصفى مما في الدنيا.