الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

{ لا تتخذوا بطانة من دونكم } بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع عليه أسراره، ولا يمكن وجود مثل هذا الصديق إلا إذا اتحدا في المقصد واتفقا في الدين والصفة، متحابين في الله لا لغرض كما قيل في الأصدقاء: نفس واحدة في أبدان متفرّقة، فإذا كان من غير أهل الإيمان فبأن يكون كاشحاً أحرى. ثم بيّن نفاقه واستبطانه العداوة بقوله: { لا يألونكم خبالاً } إلى آخره، إذ المحبة الحقيقية الخالصة لا تكون إلا بين الموحدين، لكونها ظلّ الوحدة فلا تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم التضادّ والظلمة. فأين الصفاء والوفاق في عالمهم؟ بل ربما تتآلفهم الجنسية العامة الإنسانية لاشتراكهم في النوع والمنافع والملاذ واحتياجهم إلى التعاون فيها، فإذا لم تتحصل أغراضهم من النفع واللذّة تهارشوا وتباغضوا وبطلت الإلفة التي كانت بينهم، لكونها مسببة عن أمر قد تغير إذ النفس منشأ التغير والمنافع الدنيوية لا تبقى بحالها، واللذات النفسانية سريعة الانقضاء فلا تدوم المحبة عليها بخلاف المحبة الأولى، فإنها مستندة إلى أمر لا تغير فيه أصلاً، هذا إذا كانت فيما بينهم، فكيف إذا كانت بينهم وبين من يخالفهم في الأصل والوصف؟ وأنّى يتجانس النور والظلمة؟ ومن أين يتوافق العلو والسفل؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي لا تخفى آثاره كما بيّن الله تعالى بقوله: { قد بدت البغضاء من أفواههم } لامتناع اختفاء الوصف الذاتيّ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أضمر أحد شيئاً إلا وأظهره الله في فلتات لسانه وصفحات وجهه " { وما تخفي صدورهم أكبر } لأنه نار وهذا شرار، ذاك أصل، وهذا فرعه { قد بيّنا لكم الآيات } دلائل المحبة والعداوة وأسبابهما { إن كنتم تعقلون } أي: تفهمون من فحوى الكلام.