الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

{ وما كنت بجانب الغربيّ } أي: جانب غروب شمس الذات الأحدية في عين موسى واحتجابها بعينه في مقام المكالمة لأنه سمع النداء من شجرة نفسه، ولهذا كانت قبلته جهة المغرب ودعوته إلى الظاهر التي هي مغارب شمس الحقيقة بخلاف عيسى عليه السلام { إذ قضينا إلى موسى الأمر } أوحينا إليه بطريق المكالمة { وما كنت من الشاهدين } مقامه في مرتبة نقبائه وأولياء زمانه الذين شهدوا مقامه، ولكن بعد قرنك من قرنه بإنشاء قرون كثيرة بينهما فنسوا فأطلعناك على مقامه وحاله في معراجك وطريق صراطك ليتذكروا { وما كنت ثاوياً } مقيماً { في أهل مدين } مقام الروح { تتلو عليهم } علوم صفاتنا ومشاهداتنا، بل كنت في طريقك إذ ترقيت من الأفق الأعلى فدنوت من الحضرة الأحدية إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، فأخبرتهم بذلك عند إرسالنا إياك بالرجوع إلى مقام القلب بعد الفناء في الحق. { وما كنت بجانب الطور } مقام السرّ واقفاً { ولكن رحمة } تامّة واسعة شاملة { من ربّك } تداركتك ورقّتك إلى مقام الفناء في الوحدة الذي تتدرّج فيه مقامات جميع الأنبياء وصارت وصفك وصورة ذاتك عند التحقق به في مقام البقاء والإرسال لتعم نبوّتك بختم النبوّات و { لتنذر قوماً } بلغت استعدادتهم في القبول حدّاً من الكمال ما بلغ استعدادات آبائهم الذين كانوا في زمن الأنبياء المتقدّمين وتدعوهم إلى كمال مقام المحبوبين الذي لم يدع إليه أحد منهم أمّته فـ { ما أتاهم من نذير من قبلك } يدعوهم إلى ما دعوت إليه { لعلهم يتذكرون } بالوصول إلى كمال المحبة. { الذين آتيناهم } العقل القرآني والفرقاني { من قبله هم به يؤمنون } لكمال استعدادهم دون غيرهم { إنّا كنا من قبله مُسلِمين } وجوهنا لله بالتوحيد، منقادين لأمره. { أولئك يؤتون أجرهم مرّتين } أولاً في القيامة الوسطى من جانب الأفعال والصفات قبل الفناء في الذات، وثانياً في القيامة الكبرى عند البقاء بعد الفناء من الجنّات الثلاث { ويدرؤون بالحسنة } المطلقة من شهود أفعال الحق والصفات والذات { السيئة } المطلقة من أفعالهم وصفاتهم وذواتهم { ومما رزقناهم يُنْفقون } بالتكميل وإفاضة الكمالات على المستعدّين القابلين.