الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ }

ولما تحيرت النفس الفرعونية وقواها وعجزت وخافت أن يخرجها من أرض البدن ويدفع شرّ فسادها ورياستها فيها، ويمنع تسلطها واستيلاءها بعثوا الدواعي الشيطانية، واستنهضوا البواعث النفسانية إلى مدائن محال القوى الوهمية والتخيلية، وأحضروا سحرتها لإلقاء الوساوس والهواجس بآلات المغالطات والتشكيكات وجمعوها لوقت الحضور وجمعية جميع القوى النفسانية والبدنية والروحانية في توجه السرّ إلى حضرة القدس، فألقوا حبال التخييلات والوهميات وعصيّ الهواجس والوساوس لتوهم الغلبة بعزّة فرعون النفس الأمّارة وقوّته، ورجاء التعظيم والمنزلة والتقريب في صدر الرياسة والسلطنة فتلقفها ثعبان القوة القدسية بقوة التوحيد وابتلع مأفوكاتها بنور التحقيق، فانقادت سحرة الوهم والخيال والتخيل إذ فقدت آلاتها وآمنت بنور اليقين في متابعة موسى القلب وهارون العقل بربّهما، فبقيت مقطوعة الأرجل والأيدي عن السعي في أرض البدن بأنواع الحيل والكيد والمكر وطلب المعاش وتحصيل اللذات والشهوات والتصرّف في أملاك القوى البدنية بالرياسة والسلطنة من جهة مخالفة النفس وموافقة القلب مصلوبة على جذوع النفس النباتية، ممنوعة عن حركاتها بالرياضة والقهر والسياسة، منقلبة إلى ربّهم في متابعة القلب ومشايعة السرّ عند التوجه إلى الحق، مغفورة خطاياهم من التزويرات والمفتريات بنور القدس. وأوحى إلى موسى القلب إسراء القوى الروحانية في ليل هدوء الحواس وسكون القوى النفسانية إلى الحضرة الوحدانية والعبور من بحر المادة الهيولانية.