الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } * { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً }

ومن هذا تبين معنى قوله: { ولا يأتونك بمثل } أي: صفة عجيبة { إلا جئناك بالحق } الذي يقمع باطل تلك الصفة كما قال:بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } [الأنبياء: الآية:18] وهو الفضيلة المقابلة لتلك الرذيلة { وأحسن تفسيراً } أي: كشفاً بإظهار صفة إلهية تجلى بها لك تقوم مقامها فتكشفها، وبالحقيقة تلك الصفة الإلهية الكاشفة إياها هي تفسير الصفة الباطلة ومعاناتها فإن كل صفة نفسانية ظلّ ظلماني لصفة إلهية نورانية تنزّلت في مراتب التنزلات واحتجبت وتضاءلت وتكدّرت كالشهوة للمحبة والغضب للقهر وأمثالها. { الذين يحشرون على وجوههم } لشدة ميل نفوسهم لى الجهة السفلية فتنكست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى الأرض يسحبون إلى نار الطبع { أولئك شرّ مكاناً } من أن يقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم { وأضلّ سبيلاً } من أن يهتدوا إلى صفات الله تعالى التي هي تفسير صفاتهم وكشفها. { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } كل محجوب بشيء واقف معه، فهو محبّ له، مجانس لذلك الشيء، فهو في الحقيقة عابد لهواه بعبادته لذلك المحبوب، والباعث لهواه على محبة غير الله هو الشيطان، فمحبّ كل شيء غير الله لا لله وبغير محبة الله عابد له ولهواه وللشيطان متعدد المعبود متفرق الوجهة. أبعدَ ذلك { تكون عليه وكيلاً } بدعوته إلى التوحيد وقد كان في غاية البعد محجوباً بظلّ من ظلاله. { ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل } بالوجود الإضافي. اعلم أن ماهيات الأشياء وحقائق الأعيان هي ظل الحق وصفة عالمية الوجود المطلق، فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز كتم العدم إلى فضاء الوجود أي الإضافي { ولو شاء لجعله ساكناً } أي: ثابتاً في العدم الذي هو خزانة وجوده، أي: أمّ الكتاب واللوح المحفوظ الثابث وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته لا العدم الصرف بمعنى اللاشيء فإنه لا يقبل الوجود أصلاً، وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصلاً في الظاهر، والإيجاد والإعدام ليس إلا إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم { ثم جعلنا } شمس العقل { عليه } أي: الظل { دليلاً } يهدي إلى أن حقيقته غير وجوده وإلا فلا مغايرة بينهما في الخارج فلا يوجد إلا الوجود فحسب، إذ لو يمكن وجوده لما كان شيئاً فلا يدلّ على كونه شيئاً غير الوجود إلى العقل { ثم قبضناه إلينا } بإفنائه { قبضاً يسيراً } لأن كل ما يفنى من الموجودات في كل وقت فهو يسير بالقياس إلى ما سبق، وسيظهر كل مقبوض عما قليل في مظهر آخر. والقبض دليل على أن الإفناء ليس إعداماً محضاً بل هو منع عن الانتشار في قبضته التي هي العقل الحافظ لصورته وحقيقته أزلاً وأبداً.