الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } * { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }

تثبيت فؤاده عليه السلام بالقرآن هو أنه لما ردّ في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد يظهر نفسه وقتاً غبّ وقت على قلبه بصفاتها، ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قوله:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } [الحج، الآية:52]، وفي قوله:عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } [عبس، الآية:1] فكان يتداركه الله تعالى بإنزال الوحي والجذبة ويؤدّبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب، كما قال عليه السلام: " أدّبني ربّي فأحسن تأديبي " وقال صلى الله عليه وسلم: " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " حتى يتمكن ويستقيم. وكان سبب ظهور ابتلاء الله تعالى إياه بالدعوة لإيذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له، والحكمة في الابتلاء أمران، أحدهما: راجع إليه، وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيلاء الأعداء المختلفين في النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها فيؤدّبه الله بحكمة وجود كل صفة وفضيلة كل قوة، فيحصل له جميع مكارم الأخلاق وكمالات جميع الأنبياء كما قال عليه السلام: " بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق، وأوتيت جوامع الكلم ". فإن ظهوره بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها، إذ لولا الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس لما استعدّ لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها. والثاني: راجع إلى الأمّة، فإنه رسول إلى الكل واستعداداتهم متباينة، ونفوسهم في الصفات متفاوتة. فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم والكِلَم والفضائل والأخلاق ليهدي كلاًّ منهم بما يناسبه من الحكمة، ويزكيه بما يليق به من الخلق، ويعلّمه ما ينتفع به من العلم على حسب استعداداتهم وصفاتهم وإلا لم يمكنه دعاء الكل. فعلى هذا كون التنزيل مفرّقاً منجماً إنما يكون بحسب اختلاف صفات نفسه في الظهور منها على أوقاته موجباً لتثبت قلبه في الاستقامة في السلوك إلى الله، وفي الله عند الاتصاف بصفاته، ومن الله في هداية الخلق، وتلك هي الاستقامة التامة المطلقة. فليقتدي به السالكون والواصلون والكاملون المكملون في سلوكهم وكونهم مع الحق وتكميلهم. والترتيل هو أن يتخلل بين كل نجم وآخر مدة يمكن فيها تزايله في قلبه ويترسخ ويصير ملكة لا حالاً.