{ والله خلق كل دابة } من أصناف دواب الدواعي التي تدبّ في أراضي النفوس وتبعثها إلى الأفعال { من ماء } مخصوص، أي: علم مناسب لتلك الداعية المتولدة منه. فإن منشأ كل داعية إدراك مخصوص. { فمنهم من يمشي على بطنه } ويزحف في الطبيعة، ويحدث الأعمال البدنية الطبيعية { ومنهم من يمشي على رجلين } من الدواعي الإنسانية فيحدث الأعمال الإنسانية والكمالات العملية { ومنهم من يمشي على أربع } من الدواعي الحيوانية فيبعث على الأعمال السبعية والبهيمية { يخلق الله ما يشاء } من هذه الدواعي من منشأ قدرته الباهرة، الكاملة في إنشاء الأعمال ويهدي من يشاء بالآيات السابقة المذكورة من الحكم والمعاني والمعارف والحقائق من منشأ حكمته البالغة التامة في إظهار العلوم والأحوال إلى صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة إليه { ويقولون آمنا بالله وبالرسول } أي: يدّعون التوحيد جمعاً وتفصيلاً والعمل بمقتضاه { ثم يتولى فريق منهم } بترك العمل بمقتضى الجمع والتفصيل، بارتكاب الإباحة والتزندق { وما أولئك بالمؤمنين } الإيمان الذي عرفته وادّعوه من العلم بالله جمعاً وتفصيلاً. { ومن يطع الله } باطناً بشهود الجمع { ورسوله } ظاهراً بحكم التفصيل { ويخشى الله } بالقلب بمراقبة تجليات الصفات { ويتّقه } بالروح عن ظهور أنائيته في شهود الذات { فأولئك هم الفائزون } بالفوز العظيم. { وعد الله الذين آمنوا منكم } باليقين { وعملوا الصالحات } باكتساب الفضائل { ليستخلفنهم } وأقسم ليجعلنهم خلفاء في أرض النفس إذ جاهدوا في الله حق جهاده { كما استخلف الذين } سبقوهم إلى مقام الفناء في التوحيد من أوليائه { وليمكنن لهم } بالبقاء بعد الفناء { دينهم } طريق الاستقامة فيه المرضية { وليبدلنهم من بعد خوفهم } في مقام النفس { أمناً } بالوصول والاستقامة { يعبدونني } أي: يوحدونني من غير التفات إلى غيري وإثباته { ومن كفر بعد ذلك } بالطغيان بظهور الأنائية، وخرج عن الاستقامة والتمكين والتلوين { فأولئك هم الفاسقون } الخارجون عن دين التوحيد.