الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }

{ وَأذّن في الناس } بالدعوة إلى مقام القلب وزيارته { يأتوك رجالا } مجرّدين عن صفات النفوس { وعلى كل } نفس ضامرة بطول الرياضة والمجاهدة { يأتين من كل } طريق بعيد العمق في قعر الطبيعة { ليشهدوا منافع لهم } من الفوائد العلمية والعملية المستفادة من مقام القلب { ويذكروا اسم الله } بالاتّصاف بصفاته { في أيام معلومات } من أنوار التجليات والمكاشفات { على ما رزقهم من بهيمة } أنعام النفوس المذبوحة تقرّباً إلى الله تعالى بحراب المخالفات وسكاكين المجاهدات { فكلوا } استفيدوا من لحوم أخلاقها وملكاتها المعينة المقوّية في السلوك { وأطعموا } أي: أفيدوا { البائس } الطالب القوي النفس، الذي أصابه شدّة من غلبة صفاتها واستيلاء هيئاتها للتهذيب والتأديب، والفقير الضعيف النفس، القديم العلم، الذي أضعفه عدم التعليم والتربية المحتاج إليها. { ثم ليقضوا } وسخ الفضول وفضلات ألواث الهيئات كقصّ شارب الحرص، وقَلم أظفار الغضب والحقد. وفي الجملة: بقايا تلوينات النفس { وليوفوا نذورهم } بالقيام بإبراز ما قبلوه في العهد الأول من المعاني والكمالات المودعة فيهم إلى الفعل، فقضاء التفث التزكية وإزالة الموانع والإيفاء بالنذور والتحلية وتحصيل المعارف { وليطوّفوا } بالانخراط في سلك الملكوت الأعلى حول عرش الله المجيد البيت القديم. { ذلك } أي: الأمر ذلك { ومن يعظم حرمات الله } وهي مالا يحل هتكه وتطهيره والقربان بالنفس وجميع ما ذكر من المناسك كالتحلي بالفضائل، واجتناب الرذائل، والتعرّض للأنوار في التجليّات، والاتصاف بالصفات، والترقي في المقامات { فهو خير له } في حضرة ربّه ومقعد قربه { وأحلّت لكم } أنعام النفوس السليمة بالانتفاع بأخلاقها وأعمالها في الطريقة والتمتع بالحقوق دون الحظوظ { إلا ما يُتْلى عليكم } في صورة المائدة من الرذائل المشتبهة بالفضائل وهي التي صدرت من النفس لا على وجهها ولا على ما ينبغي من أمرها بالرذائل المحضة، فإنها محرّمة في سبيل الله على السالكين { فاجتنبوا الرجس من } أوثان الشهوات المتعبدة والأهواء المتبعة، كقوله تعالى:أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية، الآية: 23]. { واجتنبوا قول الزور } من العلوم المزخرفة والشبهات المموهة من التخيلات والموهومات، المستعملة في الجدل والخلاف والمغالطة.