الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }

{ قطعت لهم ثياب من نار } جعلت لهم ملابس من نار غضب الله وقهره، وهي هيئات وأجرام مطابقة لصفات نفوسهم المنكوسة، معذبة لها غاية التعذيب { يصبّ من فوق رؤوسهم } حميم الهوى، وحب الدنيا الغالب عليهم، أو حميم الجهل المركّب والاعتقاد الفاسد المستعلي على جبهتهم العلوية التي تلي الروح في صورة القهر الإلهي مع الحرمان عن المراد المحبوب المعتقد فيه { يصهر به } أي: يذاب به ويضمحل { ما في } بطون استعداداتهم من المعاني القوية وما في ظاهرهم من الصفات الإنسانية والهيئات البشرية، فتتبدل معانيهم وصورهم، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها. { ولهم مقامع } أي: سياط { من حديد } الأثيرات الملكوتية بأيدي زبانية الأجرام السماوية المؤثرة في النفوس المادية، تقمعهم بها وتدورهم من جناب القدس إلى مهاوي الرجس { كلما أرادوا } بدواعي الفطرة الإنسانيةوتقاضي الاستعداد الأوليّ { أن يخرجوا } من تلك النيران إلى فضاء مراتب الإنسان { من غمّ } تلك الهيئات السود المظلمة وكرب تلك الدركات الموجبة، ضربوا بتلك المقامع المؤلمة وأعيدوا إلى أسافل الوهدات المهلكة { و } قيل لهم: { ذوقوا عذاب الحريق }. { جنات } القلوب { تجري من } تحتهم أنهار العلوم { يُحَلون فيها من أساور } الأخلاق والفضائل المصوغة { من ذهب } العلوم العقلية والحكمة العملية { ولؤلؤاً } المعارف القلبية، والحقائق الكشفية { ولباسهم فيها حرير } شعاع أنواع الصفات الإلهية والتجليّات اللطيفة، وهداهم { إلى الطيب من } ذكر الصفات في مقام القلب { وإلى صراط } ذي الصفات، أي: توحيد الذات الحميدة باتصافها بتلك الصفات، تلك بعينها صراط الذات وسلّم الوصول إليها بالفناء.