الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }

واذكر لوط القلب { آتيناه } حكمة { وعلماً ونجيناه من } أهل قرية البدن { التي كانت تعمل } خبائث الشهوات الفاسدة { فاسقين } بإتيانهم الأمور لا من جهتنا المأمورين بها ومباشرتهم الأعمال لا على ما ينبغي من وجه الشرع والعقل { وأدخلناه في رحمتنا } الرحيمية ومقام تجلي الصفات { إنه من الصالحين } العاملين بالعلم الثابتين على الاستقامة. ونوح العقل { إذ نادى } من جهة قدم القلب، واستدعى الله الكمال اللاحق { فاستجبنا له } بإفاضة كماله على مقتضى استعداده وإبرازه إلى الفعل { فنجيناه } فنجينا القوى القدسية والفكرية والحمدية وسائر القوى العقلية { من الكرب } الذي هو كون كمالاتها بالقوة، إذ كل ما هو كامن من الشيء بالقوة كرب له، يطلب التنفيس بالظهور والبروز إلى الفعل وكلما كان الاستعداد أقوى والكمال الممكن له، الكامن فيه، أتمّ، كان الكرب أعظم. { ونصرناه من القوم } أي: القوى النفسانية والبدنية المكذبين بآيات المعقولات والمحرّمات { إنهم كانوا قوم سوء } يمنعونه من الكمال والتجريد ويحجبونه عن الأنوار بالتكذيب { فأغرقناهم } في يمّ القطران الهيولاني والبحر العميق الجسماني { أجمعين }. { وداود } العقل النظري الذي هو في مقام السرّ { وسليمان } العقل العلمي الذي هو في مقام الصدر { إذ يحكمان في الحرث } أي: فيما في أرض الاستعداد من الكمالات المودعة فيه، المخزونة في الأزل، والمغروزة في الفطرة الناشئة عند التوجه إلى الظهور والبروز { يحكمان } فيه بالعلم والعمل والفكر والرياضة في تثميرها وإيناعها وإدراكها. { إذ نفشت فيه } انتشرت فيه بالإفساد في ظلمة ليل غلبة الطبيعة البدنية والصفات النفسانية { غنم القوم } أي: القوى البهيمية الشهوانية { وكنا لحكمهم } على مقتضى أحوالهم حاضرين، إذ كان الحكم بأمرنا وعلى أعيننا، ومقتضى إرادتنا، فحكم داود السرّ على مقتضى الذوق بتسليم غنم القوى الحيوانية البهيمية إلى أصحاب الحرث من القوى الروحانية بالملكية ليذبحوها ويميتوها بالاستيلاء والقهر والغلبة، ويغتذوا بها. وحكم سليمان العقل العلمي على مقتضى العلم بتسليط القوى الروحانية عليها لينتفعوا بألبانها من العلوم النافعة والإدراكات الجزئية والأخلاق والملكات الفاضلة ويروضوها بالتهذيب والتأديب وإقامة أصحاب الغنم من النفس وقواها الحيوانية كالغضبية والمتحرّكة والمتخيلة والوهمية وأمثالها بعمارة الحرث وإصلاح ما في أرض الاستعداد بالطاعات والعبادات والرياضات من باب الشرائع والأخلاق والآداب وسائر الأعمال الصالحات حتى يعود الحرث ناضراً بالغاً إلى حدّ الكمال، لتردّ الغنم إلى أصحابها عند حصول الكمال، فتصير محفوظة مرعية مسوسة مهذبة في الأعمال البهيمية بفضيلة العفّة، ويردّ الحرث إلى أربابه من الروح وقواه يانعاً مثمراً بالعلوم والحِكَم، متزيناً بأزهار المعارف والحقائق وأنوار التجليات والمشاهدات.