الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ }

{ حرّقوه } أي: اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها أولاً بإلقاء الحقائق والمعارف إليه التي هي حطب تلك النار عند رؤيته ملكوت السموات والأرض بإراءة الله إياه، كما قال:وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الأنعام، الآية: 75] وإشراق الأنوار الصفاتية والأسمائية عند تجليات الجمال والجلال عليه من وراء أستار أعيانكم التي هي منشأة اتقاد تلك النار { وانصروا آلهتكم } أي: معشوقاتكم ومعبوداتكم في الإمداد بتلك الأنوار وإيقاد تلك النار { إن كنتم فاعلين } بأمر الحق. { يا نار كوني برداً وسلاماً } بالوصول حال الفناء، فإن لذّة الوصول تفيد الروح الكامل والسلامة عن نقص الحدثان وآفة النقصان والإمكان في عين نار العشق { وأرادوا به كيداً } بإفنائه وإحراقه { فجعلناهم الأخسرين } الأنقصين منه كمالاً ورتبة { ونجيناه } ولوط العقل بالبقاء بعد الفناء بالوجود الحقاني الموهوب إلى أرض الطبيعة البدنية { التي باركنا فيها } بالكمالات العملية المثمرة والآداب الحسنة المفيدة والشرائع والملكات الفاضلة { للعالمين } أي: المستعدّين لقبول فيضه وتربيته وهدايته. { ووهبنا له إسحاق } القلب للردّ إلى مقامه بتكميل الخلق حال الرجوع عن الحق { ويعقوب } النفس المرتاضة الممتحنة بالبلاء، المطمئنة باليقين والصفاء { نافلة } متنوّرة بنور القلب متولّدة منه { وكلاً جعلنا صالحين } بالاستقامة والتمكين في الهداية { وجعلناهم أئمة } لسائر القوى والنفوس الناقصة المستعدة { يهدون بأمرنا } أما الروح فبالأحوال والمشاهدات والأنوار، وأما القلب فبالمعارف والمكاشفات والأسرار، وأما النفس فبالأخلاق والمعاملات والآداب، وهي المراد بقوله: { وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } بالتوحيد والعبودية الحقّة في مقام التجريد والتفريد، وهذا هو تطبيق ظاهر إبراهيم على باطنه. وقد يمكن أن يؤول بضرب آخر من التأويل مناسب لما قال النبي عليه السلام: " كنت أنا وعليّ نورين نسبح الله تعالى ونحمده ونهلّله، وسبّحته الملائكة بتسبيحنا وحمدته بتحميدنا، وهلّلته بتهليلنا. فلما خلق آدم عليه السلام انتقلنا إلى جبهته ومن جبهته إلى صلبه إلى شيث " . إلى آخر الحديث. وهو: أن الروح الإبراهيمي، قدّسه الله تعالى، كان كاملاً في أول مراتب صفوف الأرواح مفيضاً على أطوار الملكوت كمالاتهم، جابراً لنقصهم، كاسراً لأصنام أعيان الموجودات وآلهة الذوات الممكنات من المادية والمجرّدات بنور التوحيد طاوياً لمراتب الكمالات، ذاوياً للواقفين مع الصفات والمحجوبين بالغير عن الذات، فوضعه نمروذ النفس الطاغية، العاصية، وقواها التي هي قومه، في منجنيق الذكر والقوّة في نار حرارة طبيعة الرحم، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، أي: روحاً وبراءة من الآفات، أي: وضعوا درّة وجوده التي هي مظهر روحه ونجيناه إلى أرض البدن التي باركنا فيها للعالمين بهدايته إياهم وتكميله وتربيته لهم فيها بالعلوم والأعمال التي هي أرزاقهم الحقيقية وأوصافهم الكمالية.