{ فجعلهم } بفأس القهر الذاتي والشهود العيني { جذاذاً } قطعاً متلاشية فانية { إلا كبيراً لهم } هو عينه الباقي على اليقين الأول الذي به سمى الخليل خليلاً { لعلهم إليه يرجعون } يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض هو منه أولاً. { قالوا } أي: قالت النفوس العاشقة بالعقول { من فعل هذا } الاستخفاف والتحقير { بآلهتنا } التي هي معشوقاتنا ومعبوداتنا بنسبتها إلى الاحتجاب والنظر إليها بعين الفناء وجعلها بقوّة الظهر كالهباء، متعجبين منه، معظمين له، مستعظمين لأمره { إنه لمن الظالمين } الناقصين حقوق المعبودات المجرّدة وجميع الموجودات من الوجودات والكمالات بنفيها عنهم وإثباتها للحق، أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها { قالوا سمعنا فتى } كاملاً في الفتوّة والشجاعة على قهر ما سوى الله من الأغيار والسخاوة ببذل النفس والمال { يذكرهم } بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم { فأتوا به } أي: استحضروه وأحضروه معايناً لجميع النفوس { لعلهم يشهدون } كماله وفضيلته فيستفيدون منه. { أأنت فعلت هذا } صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله الإلهي الذي هو به أشرف منها { قال بل فعله كبيرهم } أي: ما فعلته بأنائيتي التي أنا بها أحسن منها، بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } بالاستقلال، أي: لا نطق لهم ولا علم ولا وجود بأنفسهم بل بالله الذي لا إله إلا هو. { فرجعوا إلى أنفسهم } بالإقرار والإذعان معترفين بأن الممكن لا وجود له بنفسه فكيف كماله { فقالوا إنكم أنتم الظالمون } بنسبة الوجود والكمال إلى الغير لا هو { ثم نكسوا على رؤوسهم } حياء من كماله ونقصهم وخضوعاً وانفعالاً منه { لقد علمت } بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم، وأما نحن فلا نعلم إلا ما علمنا الله فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لآدم بعد الإنكار، فقالوا:{ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } [البقرة، الآية: 32]. { أفتعبدون من دون } وتعظمون غيره مما لا ينفع ولا يضر، إذ هو النافع الضارّ لا غير { أفٍ لكم } أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواء تعالى { أفلا تعقلون } أن لا مؤثر ولا معبود إلا الله.