الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ طه } * { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } * { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } * { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ }

{ طه } الطاء إشارة إلى الطاهر، والهاء إلى الهادي. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم من شدّة حنوه وتعطفه على قومه لكونه صورة الرحمة ومظهر المحبة، تأسّف من عدم تأثير التنزيل في إيمانهم واستشعر البقية كما ذكر في قوله:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } [الكهف، الآية:6]. وزاد في الرياضة فكان يحيي الليالي بالتهجد وبالغ في القيام حتى تورّمت قدماه فأخبر أن عدم إيمانهم ليس من جهتك بل من جهتهم وغلظ حجابهم أعدم استعدادهم لا لبقاء صفات نفسك أو بقية أنائيتك أو وجود نقصك وقصورك في الهداية كما استشعرت فلا تتعب نفسك. ونودي باسمين من أسماء الله تعالى دالين على نزاهته عن الأمرين المذكورين وجود البقية أو القصور عن الهداية فقيل: يا طاهر عن لوث البقية، يا هادي { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وتتعب بالرياضة لكن لتذكير من يلين قلبه ويستعدّ لقبوله بعد صفائك وطهارتك وقد حصل الأمران بحمد الله وكنت كاملاً مكملاً. وما المقصود بالرياضة إلا هذان الأمران اللذان ظهرا فيك تجلينا عليك بالاسمين المذكورين فلم تتعب نفسك وإنما لم يحصل الاهتداء بهدايتك لقسوة القلوب التي هي ضدّ الخشية واللين الذي هو شرط في حصوله لا لقصورك. ويجوز أن يكون قسماً لا نداء، أي: أقسم بالاسمين اللذين يربه بهما ويتجلى بهما له لإفادة التزكية والتخلية إذ المقصود بالإنزال حصول أثرهما فيك لا التعب والمشقة وقد حصل فلا تفرط في الرياضة، ولهذا المعنى سمي آل محمداً: آل طه، أي بحصول المعنيين لهم وظهور مسمى الاسمين فيهم { تنزيلاً ممن خلق الأرض } إلى قوله: { له الأسماء الحسنى } معناه: أنزلناه تنزيلاً ممن اتّصف بجميع الصفات الجمالية والجلالية فكان لذاتك نصيب من جميعها وإلا لما أمكنك قبوله وحمله إذ الأثر الوارد لا بد وأن يناسب المورد كما ناسب المصدر، فلما كان مصدره الذات الموصوفة بجميع الأسماء الحسنى وجب أن يكون مورده الذي هو ذاتك كذلك موصوفة بها، فكما خلق السموات العلا والأرض أي: عالم الأرواح وعالم الأجسام الذي هو الجسم المطلق وجعلها حجب جلاله الساترة لجماله كذلك حجبك بسموات طبقات غيوبك من الحجب السبعة المذكورة التي هي روحانيتك ومراتب كمالك وأرض شهادتك التي هي بدنك. { الرحمن } أي: ربّك الجليل، المحتجب بحجب المخلوقات لجلاله، هو الجميل، المتجلي بجمال رحمته على الكل، إذ لا يخلو شيء من الرحمة الرحمانية وإلا لم يوجد. ولهذا اختصّ الرحمن به دون الرحيم لامتناع عموم الفيض للكل إلا منه، فكما استوى على عرش وجود الكل بظهور الصفة الرحمانية فيه وظهور أثرها أي: الفيض العام منه إلى جميع الموجودات فكذا استوى على عرش قلبك بظهور جميع صفاته فيه ووصول أثرها منه إلى جميع الخلائق، فصرت رحمة للعالمين وصارت نبوّتِك عامة خاتمة. فمعنى الاستواء: ظهوره فيه سوياً تاماً إذ لا يطابق كلها مظهر غيره فلا يستوي ولا يستقيم إلا عليه، ولذلك لم يكن له عليه السلام ظل إذ لم يبق من ذاته مع صفاته بقية لم تتحقق بالحق بالبقاء بعد الفناء التام.