الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }

{ ويسألونك عن الجبال } أي: وجودات الأبدان { فقل ينسفها ربي } برياح الحوادث رميماً ورفاتاً ثم هباء منثوراً، فيسوّيها بالأرض لا بقية منها ولا أثر. أو حوادث الأشياء فقل: ينسفها ربّي برياح النفحات الإلهية الناشئة عن معدن الأحدية { فيذرها } في القيامة الكبرى { قاعاً صفصفاً } وجوداً أحدياً صرفاً { لا ترى فيها } إثنينية ولا غيرية، فتقدح في استوائها. { يومئذ } يوم إذ قامت القيامة الكبرى { يتّبعون الداعي } الذي هو الحق، لا حراك بهم ولا حياة لهم إلا به { لا عوج له } أي: لا انحراف عنه ولا زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو على صراط مستقيم، فهم يسيرون بسيرة الحق على مقتضى إرادته { وخشعت الأصوات } انخفضت كلها لأن الصوت صوته فحسب { فلا تسمع إلا همساً } خفيّاً، باعتبار الإضافة إلى المظاهر. أو يوم إذ قامت القيامة الصغرى { يتبعون الداعي } الذي هو إسرافيل مدّبر الفلك الرابع، المفيض للحياة، لا ينحرف عنه مدعوّ إلى خلاف ما اقتضته الحكمة الإلهية من التعلق به. { وخشعت الأصوات } في الدعاء إلى غير ما دعا إليه الرحمن فلا تسمع إلا همس الهواجس والتمنيات الفاسدة و { لا تنفع الشفاعة } أي: شفاعة من تولاّه وأحبّه في الحياة الدنيا ممن اقتدى به وتمسك بهدايته { إلاّ مَن أذن له الرحمن } باستعداد قبولها، فإنّ فيض النفوس الكاملة التي تتوجه إليها النفوس الناقصة بالإرادة والرغبة موقوفة على استعدادها لقبوله بالصفاء وذلك هو الإذن { ورضي له قولا } أي: رضي له تأثيراً يناسب المشفوع له، فتتوقف الشفاعة على أمرين: قدرة الشفيع على التأثير، وقوة المشفوع له للقبول والتأثر. وهو { يعلم } الجهتين { ما بين أيديهم } من قوّة القبول بالاستعداد الأصلي وتأثير الشفيع بالتنوير { وما خلفهم } من الموانع العارضة من جهة البدن وقواه، والهيئات الفاسقة المزيلة للقبول الأصلي أو المعدات الحاصلة من جهتها بالتزكية على وفق العقل العملي.