الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }

{ وإذْ قال موسى لِقومِه إن الله يَأمركم أنْ تذبحوا بَقرةً } هي النفس الحيوانية، وذبحها قمع هواها الذي هو حياتها ومنعها عن أفعالها الخاصة بها بشفرة سكين الرياضة { قالوا أتتخذنا } مهزوّاً بنا، وتستخفنا لنطيعك ونتسخر لك كما جاء في حق فرعون: فاستخف قومه فأطاعوه. { قال أعوذُ بالله أنْ أكونَ مِن الجاهلين } الاستخفاف والاستهزاء وطلب الترؤس هو فعل الجهال. { قالوا ادْعُ لنَا ربك يُبين لنا ما هِيَ } أي: سل لنا ربّك ما هي { إنهَا بقرةٌ لا فارِضٌ } أي: غير مسنّة لزوال استعدادها ورسوخ اعتقادها وضراوتها بعاداتها كما قيل: الصوفيّ بعد الأربعين بارد. { ولا بِكْرٌ } أي: فتيّة، لقصور استعدادها عما يراد منها وعسر احتمالها للرّياضة لغلبة القوى الطبيعية وقوتها فيها { عَوَانٌ } نصفة { بين } ما ذكر { صفراء } لأن لون الجسم أسود لعدم النورية فيه أصلاً، ولون النفس النباتية أخضر لظهور النورية فيها، وغلبة السواد عليها لعدم إدراكها، ولون القلب أبيض لتجرّده عن الجسم، وقوّة إدراكه، وكمال نوريته. فلزم أن يكون لون النفس الحيوانية في الحيوانات العجم أحمر لتركب نورية إدراكها وسواد تعلقها بالجسم، إذ الحمرة لون بين البياض والسواد ومركب منهما، لكن السواد فيه أكثر. وفي الإنسان أصفر لغلبة نورية إدراكها بمجاورة القلب، إذ الصفرة حمرة عليها البياض { فاقعٌ لونها } لصفاء استعدادها وشعشعان شعاع نور القلب عليها { تسر الناظرينَ } لقوة نور استعدادها وتشعشعها والناظرون هم الكاملون المطلعون على الاستعدادات لوجوب محبتهم للمستعدّين المستبصرين وذوقهم بحضورهم. { إنّ البقَرَ تشابه علينا } لكثرة البقر الموصوف بهذه الصفة، أي: كثرة أصناف المستعدّين وما كل مستعدّ طالباً. كما قيل: ما كلّ طبع قابلاً ولا كل قابل طالباً، ولا كلّ طالب صابراً، ولا كلّ صابر واجداً. { وإنّا إنْ شاء الله لمهتدون } إلى ذبح هذه البقرة. وقولهم: إن شاء الله، دليل على استعدادهم لعلمهم بأن الأمور متعلقة بمشيئة الله، ميسّرة بتوفيقه. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو لم يستثنوا لما ظفروا بها أبد الدهر ". { لا ذَلولٌ } غير مذللة، منقادة لأمر الشرع { تثيرُ } أرض الاستعداد بالأعمال الصالحة والعبادات { ولا تسقي } حرث المعارف والحكم التي فيها بالقوّة باستقاء ماء العلوم الكسبية والأفكار الثاقبة، لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح { مُسلمةٌ } سلمها أهلها لترعى، غير مسوسة برسوم وعادات وشرائع وآداب { لا شِيةَ فيها } أي: لم يرسخ فيها اعتقاد ومذهب لعدم صلاحيتها للذبح. { جِئتَ بالحقِ } الثابت في بيان المستعد المشتاق، الطالب للكمال { فذبحوها وما كادوا يَفعلون } لكثرة سؤالاتهم ومبالغاتهم وتعمقهم في البحث والتفتيش عن حالها، وفضول كلامهم في بيانها التي تدلّ على عدم انقياد النفس بالسرعة، وإبائها للرياضة، وغلبة الفضول عليها، وتعذر مطلوبهم، وتأخرهم عنه بسبب ذلك.

السابقالتالي
2