الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ للفقراء } أي: اقصدوا بصدقاتكم الفقراء { الذين } أحصرهم المجاهدة { في سبيل الله } { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } للتجارة والكسب لاشتغالهم بالله واستغراقهم في الأحوال وصرف أوقاتهم في العبادات. { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } عن السؤال والاستغناء عن الناس { تعرفهم بسيماهم } من صفرة وجوههم، ونور جباههم، وهيئة سحناتهم، أنهم عرفاء فقراء، أهل الله، لا يعرفهم إلا الله ومن هو منهم { لا يسألون الناس إلحَافاً } أي: إلحاحاً. والمراد نفي مسئلة الناس بالكلية كقوله:
على لاحِبٍ لا يُهْتدى بمناره   
والمراد نفي المنار والاهتداء جميعاً، أو نفي الإلحاف وإثبات التعطف في المسألة. { وما تنفقوا من خيرٍ } على أيّ من أنفقتم، غنياً كان أو فقيراً { فإنّ الله به عليم } أي: بأن ذلك الإنفاق له أو لغيره، فيجازي بحسبه. { الذينَ يُنفقونَ } عمم الإنفاق أولاً وثانياً بحسب الأوقات والأحوال ليعلم أنه لا يتفاوت بها، بل بالقصد والنيّة { الذين يأكلون الربا لا يقومون } إلى آخره، آكل الربا أسوأ حالاً من جميع مرتكبي الكبائر، فإنّ كل مكتسب له توكل ما في كسبه قليلاً كان أو كثيراً، كالتاجر والزارع والمحترف، إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم " وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه سواء ربح الآخذ أو خسر، فهو محجوب عن ربه بنفسه وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلاً، فوكلّه الله تعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه وكلاءته، فاختطفه الجنّ وخبلته، فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل، فيكون كالمصروع الذي مسّه الشيطان فتخبطه لا يهتدي إلى مقصد { ذلك بأنَهُم قالوا } أي: ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس فيكونون من أصحابه مطرودين مثله.