الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ الله لا إله إلا هو } في الوجود، فكلّ ما عبد دونه لم تقع العبادة إلا له، علِمَ أو لم يعلم، إذ لا معبود ولا موجود سواه { الحيّ } الذي حياته عين ذاته، وكلّ ما هو حيّ لم يحيى إلا بحياته { القيوم } الذي يقوم بنفسه ويقوم كلّ ما يقوم به. فلولا قيامه ما قام شيء في الوجود { لا تَأخُذه } غفوة ونعاس، كما يعتري الأحياء من غير قصدهم. فإنّ ذلك لا يكون إلا لمن حياته عارضة، فتغلبه الطبيعة بالحالة الذاتية طلباً للهدوء والراحة والإبدال عن تحليل اليقظة. فأمّا من حياته عين ذاته، فلا يمكن له ذلك. وبين كون حياته غير عارضة بقوله { ولا نَوْم } فإنّ النوم ينافي كون الحياة ذاتية، لأنه أشبه شيء بالموت. ولهذا قيل: النوم أخو الموت. ومن لا نوم له لذاته، لمنافاته كون الحياة غير ذاته، فلا سنة له، إذ السنة من مقدّماته وآثاره كما تقول: ليس له ضحك ولا تعجب، وقوله: { لا تأخذه سنة ولا نوم } بيان لقيوميته { له ما في السموات وما في الأرض } نواصيهم بيده، يفعل بهم ما يشاء. { من ذا الذي يشْفَع عنده إلاّ بإذْنِه } إذ كلهم له وبه يتكلم من يتكلم به وبكلامه، فكيف يتكلم بغير إذنه وإرادته { يَعْلَم } ما قبلهم وما بعدهم، فكيف بهم وبحالهم. أي: علمه شامل للأزمنة والأشخاص والأحوال كلها، فيعلم المستحق للشفاعة، وغير المستحق لها { ولا يُحِيطونَ بشيءٍ من عِلْمه إلاّ بما شَاء } أي: بما اقتضت مشيئته أن يعلمهم، فعلم كلّ ذي علم شيء من علمه ظهر على ذلك المظهر، كما قالت الملائكة:لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } [البقرة، الآية: 32]. { وسِع كُرسيه السموات والأرض } أي: علمه، إذ الكرسيّ مكان العلم الذي هو القلب. كما قال أبو يزيد البسطامي رحمة الله عليه: لو وقع العالم وما فيه ألف ألف مرّة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به لغاية سعته. ولهذا قال الحسن: كرسيه: عرشه، مأخوذ من قوله عليه السلام: " قلب المؤمن من عرش الله " والكرسي في اللغة: عرش صغير لا يفضل عن مقعد القاعد، شُبه القلب به تصويراً وتخييلاً لعظمته وسعته. وأما العرش المجيد الأكبر فهو الروح الأول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك الأعظم، والثامن المحيط بالسموات السبع وما فيهنّ { ولا يؤده } أي: ولا يثقله { حِفظهما } لأنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما، بل العالم المعنوي كله باطنه والصوريّ ظاهره، فلا وجود لهما إلا به وليسا غيره. { وهو العليّ } الشأن الذي لا يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء، ويقهره بالفناء { العَظيم } الذي لا يتصوّر كنه عظمته، وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته، وكل عظيم فبنصيب من عظمته وحصة منها عظيمة. فالعظمة مطلقاً له دون غيره، بل كلها له، ليس لغيره فيها نصيب. وهي أعظم آية في القرآن لعظم مدلولها.