الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ الحج أشهر معلوماتٌ } أي: وقت الحج أزمنة معلومة، وهو من وقت بلوغ الحلم إلى الأربعين، كما قال تعالى في وصف البقرة:لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة، الآية: 68]، { فمن فرض فيهنّ الحج } على نفسه بالعزيمة والتزم { فلا رَفْث } أي: فاحشة ظهور القوة الشهوانية { ولا فُسُوق } أي لأسباب يعني خروج القوّة الغضبية عن طاعة القلب { ولا جدال } أي: تعدّي القوة النطقية بالشيطنة { في الحجّ } أي: في قصد بيت القلب { وما تفعلوا من خير } من فضيلة من أفعال هذه القوى الثلاث بأمر الشرع والعقل دون رذائلها { يعلمه الله } ويثبكم عليه { وتزودوا } من فضائلها التي يلزمها الاجتناب عن رذائلها { فإنّ خيرَ الزادِ التقوى } منها { واتقونِ } في أعمالكم ونياتكم { يا أُولي الألبَاب } فإن قضية اللبّ أي: العقل الخالص من شوب الوهم وقشر المادة اتقائي. { ليس عليكم جناحٌ أن تَبْتغوا فضلاً من ربّكم } أي: لا حرج عليكم عند الرجوع إلى الكثرة في أن تطلبوا رفقاً لأنفسكم وتمتعوها بحظوظها على مقتضى الشرع بإذن الحق، فإنّ حظها حينئذ يقويها على موافقة القلب في مقاصده ولأنها غير طاغية لتنوّرها بنور الحق { فإذا أفضتم } أي: دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك الحج وأمّها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحجّ عرفة " { فاذكروا الله عند المشْعر الحرام } أي: شاهدوا جمال الله عند السرّ الروحيّ المسمّى بالخفيّ، فإنّ الذكر في هذا المقام هو المشاهدة، والمشْعر هو محل الشعور بالجمال المحرّم من أن يصل إليه الغير { واذكروه كما هَدَاكم } إلى ذكره في المراتب فإنه تعالى هدى أولاً إلى الذكر باللسان وهو ذكر النفس ثم إلى الذكر بالقلب وهو ذكر الأفعال الذي تصدر نعماء الله وآلاؤه منه. ثم ذكر السرّ وهو معاينة الأفعال ومكاشفة علوم تجليات الصفات. ثم ذكر الروح وهو مشاهدة أنوار تجليات الصفات مع ملاحظة نور الذات. ثم ذكر الخفيّ وهو مشاهدة جمال الذات مع بقاء الإثنينية. ثم ذكر الذات وهو الشهود الذاتي بارتفاع البقية { وإن كنتم من قَبْله } أي: من قبل الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها { لمن الضالِين } عن هذه الأذكار. { ثم أفيضُوا من حيث أفاضَ الناس } ثم أفيضوا إلى ظواهر العبادات والطاعات وسائر وظائف الشرعيات والمعاملات من حيث، أي: من مقام إفاضة سائر الناس فيها، وكونوا كأحدهم. قيل لجنيد رحمة الله عليه: ما النهاية؟ قال: الرجوع إلى البداية. { واسْتَغفروا الله } من ظهور النفس وتبرمها بالحال وطغيانها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " وقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم ثبتني على دينك " ، فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: " أو ما يؤمنني، إنّ مثل القلب كمثل ريشة في فلاة، تقلّبها الرياح كيف شاءت ". " ولما تورّمت قدماه فقالت له عائشة رضي الله عنها: أما غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أفلا أكون عبداً شكوراً " " وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " أعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ".