الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

والظلمات هي الصفات النفسانية، والشكوك الخيالية والوهمية، والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم. والرعد هو التهديد الإلهيّ والوعيد القهريّ الوارد في القرآن والآيات والآثار المسموعة والمشاهدة مما يخوّفهم فيفيد أدنى انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم الآبية. والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير الآلاء والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم، فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى الإجابة. ومعنى { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَر الموت } يتشاغلون عن الفهم بالملاهي والملاعب عن سماع آيات الوعيد، ولكي لا ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهمّ الآخرة، إذ الانقطاع عن اللذات الحسيّة هو موتهم، والله قادر عليهم، قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي، قدرة المحيط بالشيء الذي لا يفوته منه، فلا فائدة لحذرهم. { يكادُ البرقُ } أي: اللامع النوريّ { يخطَفُ أبصارَهُم } أي: عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف، إذ العقل بصر القلب { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي: ترقوا وقربوا من قبول الحق والهدى، { وإذا أظلم عليهم قاموا } أي: ثبتوا على حيرتهم في ظلمتهم { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } لطمس أفهامهم وعقولهم، ومحا نور استعدادهم، كما للفريق الأول فلم يتأثروا بسماع الوحي أصلاً { إن الله على كلّ شيء قدير } الشيء الموجود الخارجيّ الواجب والممكن، والموجود الذهني الممكن والممتنع إذ اللاشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن ولا في الخارج، لكن تعلق القدرة به خصصه بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل. هذا آخر الكلام في الأصناف السبعة على سبيل الإجمال، وفصل بين فريقي الأشقياء وأوجز ذكر الفريق الأوّل وأعرض عنهم، إذ الكلام فيهم لا يجدي. وبالغ في ذكر الفريق الثاني، وذمّهم، وتعييرهم، وتقبيح صورة حالهم، وتهديدهم، وإبعادهم، وتهجين سيرهم، وعاداتهم لإمكان قبولهم للهداية وزوال مرضهم العارض، واشتعال نور قرائحهم بمدد التوفيق الإلهيّ عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم، والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم، فتتزكى بواطنهم وتتنوّر قلوبهم بنور الإرادة، فيسلكوا طريق الحق. ولعل موادعة المؤمنين وملاطفتهم إياهم ومدجالستهم معهم، تستميل طباعهم فتهيج فيهم محبة مّا، وشوقاً تلين به قلوبهم إلى ذكر الله، وتنقاد به نفوسهم لأمر الله، فيتوبوا ويصلحوا كما قال الله تعالى:إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } [النساء، الآيات: 145-146].