الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ إنما حرّم عَلَيكم المِيتة } لجمود الدم فيها، وبعدها عن الاعتدال بانحراف المزاج { والدم } لاختلاطه بالفضلات النجسة البعيدة عن قبول الحياة والعدالة والنورية وعدم صلاحيته لذلك بعد لقصور النضج { ولحْم الخِنْزير } لغلبة السبعية والشره ومباشرة القاذورات والدياثة على طبعه فيولد في أكله مثل ذلك { وما أُهِلّ به لِغَير الله } أي: رفع الصوت بذبحه لغير الله يعني ما قصد بذبحه وأكله الشرك لمنافاته التوحيد سفيراً عن الشرك. ويفهم منه ما يقوي آكله به على الكلام ورفع الصوت لغير الله أي: كل ما يؤكل لا على التوحيد فهو محرّم على آكله { فمنِ اضطرّ } أي: من الجماعة { غير بَاغٍ } على مضطرّ آخر باستئثاره { ولا عَادٍ } سدّ الرمق { فلا إثمَ عليه }. { ما يَأْكُلون في بُطُونهم } أي: ملء بطونهم إلا ما هو وقود نار الحرمان وسبب اشتعال نيران الطبيعة الحاجبة عن نور الحق المعذبة بهيئات السوء المظلمة الموقعة صاحبها في جحيم الهيولى الجسمانية { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم } عبارة عن شدّة غضبه عليهم وبعدهم عنه. { ليس البرّ أن تولوا وجوهكم } مشرق عالم الأرواح ومغرب عالم الأجساد، فإنه تقيد واحتجاب { ولكن البرّ } برّ الموحدين الذين آمنوا بالله والمعاد في مقام الجمع، إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء الأبديّ الذي هو المعاد الحقيقي. وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم الملائكة وظاهر عالم النبيين. { والكِتَاب } الذي جمع ببين الظاهر بالأحكام والمعارف، وأفاد علم الاستقامة ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعاً وتفصيلاً بالأعمال المذكورة، فإن الاستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها بالأمر الإلهي لتنوّرها بنور الروح عند تحقق صاحبها بالله في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام العدالة، فتكون هي في ظلّ الحق منخرطة في سلك الوحدة بكليتها. { على حبه } أي: في حال الاحتياج إليه والشحّ به، كما قال ابن مسعود: أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان: كذا، ولفلان: كذا. قال الله تعالى:وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر، الآية: 9] أو على حب الله لئلا يشغل قلبه عنه ولأنه تعالى يرضى بإيتائه أو على حبّ الإيتاء، يعني: بطيب النفس، فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس بالإعطاء. ومن قوله: { وآتى المال } إلى قوله: { وآتى الزكاة } من باب العفة التي هي كمال القوة الشهوانية ووقوفها على حدّها فيما يتعلق بها، وقوله: { والموفون بعَهْدهم إذا عَاهَدوا } من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي كمال القوّة النطقية فإنها ما لم تعلم تبعة الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة المقابلة لهما، لم تف بالعهد. وقوله: { والصابرين في البأساء } أي: الشدّة والفقر { والضرّاء } أي: المرض والزمانة { وحين البأس } أي: الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال القوّة الغضبية { أولئك } الموصوفون بهذه الفضائل كلها، الثابتون في مقام الاستقامة { الذين صدقوا } الله في مواطن التجريد بأفعالهم التي هي البرّ كله { وأولئك هم المتقون } عن محبة غير الله حتى النفس، المجرّدون عن غواشي النشأة والطبيعة.

السابقالتالي
2