الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }

{ ومن الناس من يَتَخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحبّ الله } أي: من يعبد من دون الله أشياء إمّا أناسيّ من جنسهم كالأزواج، والأولاد، والآباء، والأجداد، والإخوان، والأحباب، والرؤساء، والملوك، وغيرهم. وإمّا غير أناسيّ كالحيوانات، والجمادات، وسائر أموالهم، بالإقبال عليهم والتوجه نحوهم، ومراعاتهم، وحفظهم، والاهتمام بهم وبحالهم، والتفكّر في بابهم، يحبونهم كحب الله، أي: كما يجب أن يحب الله، فتكون تلك الأشياء عندهم مساوية في المحبة مع الله فتكون أنداداً أو شركاء لله بالنسبة إليهم، أو تكون هي محبوباتهم ومعبوداتهم لا غير، فهي آلهتهم كما أن الله إله الخلق فهم جعلوا لأنفسهم آلهة أنداداً لإله سائر الخلق، إله العالمين. { والذين آمَنُوا أشدّ حباً لله } من غيره لأنهم لا يحبون إلا الله، لا يختلط حبهم له بحب غيره ولا يتغير، ويحبون الأشياء بمحبة الله ولله، وبقدر ما يجدون فيها من الجهة الإلهية كما قال بعضهم: " الحق حبيبنا، والخلق حبيبنا وإذا اختلفا فالحق أحبّ إلينا " أي: إذا لم تبق جهة الإلهية فيهم بمخالفتهم إياه لم تبق محبتنا لهم، أو أشدّ حباً من محبتهم لآلهتهم لأنهم يحبون الأشياء بأنفسهم لأنفسهم، فلا جرم تتغير محبتهم بتغيير إعراض النفوس أنفسهم عند خوف الهلاك ومضرّة النفس عليهم والمؤمنون يحبون الله بأرواحهم وقلوبهم، بل بالله لله، لا تتغير محبتهم لكونها لا لغرض، ويبذلون أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه، ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون أفعاله وإن كانت بخلاف هواهم، كما قال أحدهم:
أريد وصاله ويريد هجري   فأترك ما أريد لما يريد
{ ولو يرى الذينَ ظَلَموا } أي: أشركوا بمحبة الإنذار في وقت رؤيتهم عذاب الاحتجاب بآلهتهم { أن القوّة لله } أي: القدرة كلها لله ليس لآلهتهم شيء منها، وشدّة عذاب الله بقرنهم بآلهتهم في نار الحرمان بالسلاسل النارية المستفاد من محبتهم إياها، لكان ما لا يدخل تحت الوصف ولهذا المعنى حذف جواب لو.