الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } لاحتجابهم بدينهم عن دينهم، وكذا قالت النصارى لاحتجابهم بالباطن عن الظاهر كما احتجب اليهود بالظاهر عن الباطن على ما هو حال أهل المذاهب اليوم في الإسلام. { وهم يتلون الكتاب } وفيه ما يرشدهم إلى رفع الحجاب، ورؤية حق كل دين ومذهب، وليس أهل ذلك الدين والمذهب حقهم بباطل لتقيّدهم بمعتقدهم، فما الفرق بينهم وبين الذين لا علم لهم ولا كتاب، كالمشركين، فإنهم يقولون مثل قولهم بل هم أعذر، إذ ليس عليهم إلا حجة العقل وهم بحجة العقل والشرع { فالله يحكم بينهم } بالحق في اختلافاتهم { يوم } قيام { القيامة } الكبرى وظهور الوحدة الذاتية عند خروج المهديّ عليه السلام. وفي الحديث ما معناه: " إنّ الله يتجلى لعباده في صورة معتقداتهم فيعرفونه، ثم يتحوّل عن صورته إلى صورة أخرى فينكرونه " ، وحينئذ يكونون كلهم ضالّين محجوبين إلا ما شاء الله وهو الموحد الذي لم يتقيد بصورة معتقده. { ومن أظلم } أي: أنقص حقاً وأبخس حظاً { ممن منع مساجد الله } أي: مواضع سجود الله التي هي القلوب التي يعرف فيها فيسجد بالفناء الذاتيّ { أن يذكر فيها اسمه } الخاص الذي هو الاسم الأعظم، إذ لا يتجلى بهذا الاسم إلا في القلب، وهو التجلي بالذات مع جميع الصفات أو اسمه المخصوص بكل واحد منها، أي الكمال اللائق باستعداده المقتضي له. { وسعى في خرابها } بتكديرها بالتعصبات الباردة وغلبة واستيلاء التمنيات عليها، ومنع أهلها المستعدّين عنها بالهرج والمرج وتهييج الفتن اللازمة لتجاذب قوى النفس ودواعي الشيطان والوهم { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } ويصلوا إليها، أي: منكسرين لظهور تجلّي الحق فيها { لهم في الدنيا خزي } أي: افتضاح وذلّة بظهور بطلان دينهم ومعتقدهم، وفسخه بدين الحق وانقهارهم وتحسرهم ومغلوبيتهم. { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } هو الاحتجاب عن الحق بدينهم.