الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } * { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

فنادى زكريا عليه السلام ربّه ليهب له وليّاً يقوم مقامه في أمر الدين، وتوسل إليه بأمرين، واعتذر إليه معتلاً بأمرين، توسل بالضعف والشيخوخة والوهن والعجز عن القيام بأمر الدين في قوله: { وَهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً } فأجابه باسمه الكافي فكفاه ضعفه وأعطاه القوّة وأيده بالولد ثم بعنايته به قديماً بقوله: { ولم أكن بدعائك ربِّ شقيّاً } فأجابه باسمه الهادي وهداه إلى مطلوبه بالبشارة والوعد، لأن العناية المقتضية للسعادة المستلزمة لسلب الشقاوة، كما أشار إليها، يلازمها عبارة عن علمه تعالى في الأزل بعين في العدم وتقتضي باستعدادها سعادة تناسبها وهو عين إرادته تعالى ذلك الكمال لها عند وجودها فلا بد من هداية لها إليه، والهداية إنما تتم بالتوفيق، وهو ترتيب الأسباب الموافقة لذلك المطلوب المؤدّية إليه، ولم يجدها موافقة ووجد خلافها فخاف واعتذر إليه بالخوف من الموالي لعدم صلاحيتهم لذلك، فأجابه باسمه الواقي، فوقاه شرّهم، وبامتناع وجود الولي من نسله لعدم الأسباب بقوله: { وكانت امرأتي عاقراً } فأجابه باسمه العليم لأنه علم عدم الأسباب الذي تعلل به محتجاً بها عن المسبب وعلم وجوده مع عدمها وما علمه لا بدّ من كونه، كما قالت الملائكة لامرأة إبراهيم عليه السلام:كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } ولما بشره بالولد، وهداه إلى مقتضى العلم، تعجب منه لضراوته في عالم الأسباب بالحكمة وكرر التعلل بعدم الأسباب بقوله: { أنى يكون لي غلام } الخ، لأنه كان يطلب ولداً حقيقياً يلي أمره ويحذو حذوه ويسلك طريقه في القيام بأمر الدين وإن لم يكن من نسله لعدم أهلية مواليه لذلك، فكرر البشارة وهداه إلى سهولة ذلك في قدرته، فالتمس علامة تدل عليه، فهداه إليها وأنجز وعده باسمه الصادق فرحمه بهبة يحيى له. فاقتضت الأحوال الأربعة مع حال الوعد والبشارة إجابته بالرحمة عليه بالأسماء الخمسة. فعلى هذا يكون كـ إشارة إلى الكافي الذي اقتضاه حال ضعفه وشيخوخته وعجزه و هـ إشارة إلى الهادي الذي اقتضاه عنايته به وإرادة مطلوبه له و ي إشارة إلى الواقي الذي اقتضاه حال خوفه من الموالي و ع إشارة إلى العالم الذي اقتضاه إظهاره لعدم الأسباب و ص إشارة إلى الصادق الذي اقتضاه الوعد. ومجموع الأسماء الخمسة هو: الرحيم بهبة الولد، وإفاضة مطلوبه في هذه الأحوال. فذكر هذه الحروف وتعدادها إشارة إلى أن ظهور هذه الصفات التي حصل بها هذه الأسماء هو ظهور رحمة عبده زكريا وقت ندائه وذكرها ذكر تلك الرحمة التي هي وجود يحيى عليه السلام. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: كـ عبارة عن الكافي و هـ عن الهادي و ي عن الواقي و ع عن العالم و ص عن الصادق والله أعلم.

السابقالتالي
2