الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } * { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }

فلما لم يؤمنوا بالقرآن استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حاله فعلاه الوجد وعزم على قهر النفس بالكلية طلباً للغاية وكان ذلك من فرط شفقته عليهم وكمال أدبه مع الله حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله لا على عدم استعدادهم ولذلك سلاّه بقوله: { إنّا جعلنا } أي: لا تحزن عليهم فإنه لا عليك أن يهلكوا جميعاً، إنّا نخرج جميع الأسباب من العدم إلى الوجود للابتلاء ثم نفنيها ولا حيف ولا نقص، أو إنّا جعلنا ما على أرض البدن من النفس ولذاتها وشهواتها وقوى صفاتها وإدراكاتها ودواعيها { زينة } لها ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي وأقدر على مخالفتها لموافقتي. { وإنّا لجاعلون } بتجلينا وتجلي صفاتنا { ما عليها } من صفاتها هامدة كأرض ملساء لا نبات فيها أي: نفنيها وصفاتها بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي ولا نبالي، بل { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } أي: إذا شاهدت هذا الإنشاء والإفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب. واعلم أن أصحاب الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائماً الذين يقوم بهم العالم ولا يخلو عنهم الزمان على عدد الكواكب السبعة السيّارة وطبقها فكما سخرها الله تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار إليه بقوله:فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } [النازعات، الآيات: 4-5] على بعض التفاسير وكل نظام عالم المعنى وتكميل نظام الصورة إلى سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم، والقطب هو المنتسب إلى الشمس والكهف هو باطن البدن والرقيم ظاهره الذي انتقش بصور الحواس والأعضاء إن فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم والعالم الجسماني إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي إن جعل اسم قريتهم على اختلاف الأقوال في التفاسير ومنهم الأنبياء السبعة المشهورون المبعوثون بحسب القرون والأدوار، وإن كان كل نبيّ منهم على ذكر وهم: آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام لأنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر، أي: انفلاقه عنه لظهوره في دورة ختم النبوة وكمل به الدين الإلهي كما أشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " إذ المتأخر بالزمان والظهور أي: الوجود الحسيّ هو الحائز لصفات الكلّ وكمالاتهم كالإنسان بالنسبة إلى سائر الحيوانات، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " كأنّ بنيان النبوّة قد تمّ وبقي منه موضع لبنة واحدة، فكنت أنا تلك اللبنة " وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول والأرواح على مذهبهم في التنازل تتضاعف إشراقاتها، فكل من تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره وسبحات أشعة وجهه وإشراقات أنوار الوسائط أوفر وأزيد فكذا في الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الكل وكمالاتهم الحاوي لخواصهم ومعانيهم مع كماله الخاص به اللازم للهيئة الاجتماعية، كما قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2