الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً }

{ أما السفينة فكانت لمساكين } في بحر الهيولى، أي: القوى البدنية من الحواس الظاهرة والقوى الطبيعية النباتية، وإنما سماها مساكين لدوام سكونها وملازمتها لتراب البدن وضعفها عن ممانعة القلب في السلوك والاستيلاء عليه كسائر القوى الحيوانية. وحكي أنهم كانوا عشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر، وذلك إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة { فأردت أن أعيبها } بالرياضة لئلا يأخذها ملك النفس الأمّارة غصباً وهو الملك الذي كان وراءهم أي: قدّامهم { يأخذ كل سفينة غصباً } بالاستيلاء عليها واستعمالها في أهوائه ومطالبه { وأما الغلام فكان أبواه } اللذان هما الروح والطبيعة الجسمانية { مؤمنين } مقرين بالتوحيد لانقيادهما في سلك طاعة الله وامتثالهما لأمر الله وإذعانهما لما أراد الله منهما { فخشينا أن يرهقهما } أي: يغشيهما { طغياناً } عليهما بظهوره بالأنائية عند شهود الروح { وكفراً } لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه أو كفراً بالحجاب فيفسد عليهما أمرهما ودينهما ويبطل عبوديتهما لله { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة } كما بدّلهما بالنفس المطمئنة التي هي خير منه زكاة، أي: طهارة ونقاء { وأقرب رحماً } تعطفاً ورحمة لكونها أعطف على الروح والبدن وأنفع لهما، وأكثر شفقة. ويجوز أن يكون المراد بالأبوين الجدّ والأب، فكان كناية عن الروح والقلب. وكونه أقرب رحماً أنسب لهما وأشدّ تعطفاً.