الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }

{ قال ذلك } أي: تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته { ما كنا } نطلبه، لأن هناك مجمع البحرين الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه، إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي لا يكون إلا في هذا المقام { فارتدّا على آثارهما } في الترقي إلى مقام الفطرة الأولى كما كانا أولاً يقصّان { قصصاً } أي: يتبعان آثارهما عند الهبوط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي، وهو عبد من عباد الله مخصوص بمزية عناية ورحمة { آتيناه رحمة من عندنا } أي: كمالاً معنوياً بالتجرّد عن المواد والتقدّس عن الجهات. والنورية المحضة التي هي آثار القرب والعندية { وعلمناه من لدنا علماً } من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بلا واسطة تعليم بشريّ. وقوله: { هل أتبعك } هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال { إنك لن تستطيع معي صبراً } لكونك غير مطلع على الأمور الغيبية والحقائق المعنوية لعدم تجرّدك واحتجابك بالبدن وغواشيه، فلا تطيق مرافقتي، وهذا معنى قوله: { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً } لقوّة استعدادي وثباتي على الطلب { ولا أعصي لك أمراً } لتوجهي نحوك وقبولي أمرك، لصفائي وصدق إرادتي. والمقاولات كلها بلسان الحال. { فإن اتّبعتني } في سلوك طريق الكمال { فلا تسألني عن شيء } أي: عليك بالاقتداء والمتابعة في السير بالأعمال والرياضات والأخلاق والمجاهدات، ولا تطلب الحقائق والمعاني { حتى } يأتي وقته، فـ { أحدث لك منه } أي: من ذلك العلم { ذكراً } وأخبرك بالحقائق الغيبية عند تجرّدك بالمعاملات القالبية والقلبية { فانطلقا حتى إذا ركبا } في سفينة البدن البالغ إلى حدّ الرياضة الصالح للعبودية إلى العالم القدسي في بحر الهيولى للسير إلى الله { خرقها } أي: نقصها بالرياضة وتقليل الطعام وأضعف احكامها وأوقع الخلل في نظامها وأوهنها { قال أخرقتها لتغرق أهلها } أي: أكسرتها لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك { لقد جئت شيئاً إمراً } وهذا الإنكار عبارة عن ظهور النفس بصفاتها وميل القلب إليها، والتضجر عن حرمان الحظوظ في الرياضة، وعدم القناعة بالحقوق. { قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك { قال لا تؤاخذني بما نسيت } إلى آخره، اعتذاره في مقام النفس اللوّامة.