الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }

{ إذ أوى الفتْيَة إلى الكهف } أي: كهف البدن بالتعلق به { فقالوا } بلسان الحال { ربنا آتنا من لدُنك } أي: من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى { رحمة } كما لا يناسب استعدادنا ويقتضيه { وهيئ لنا من أمرنا } الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي للاستكمال { رشداً } استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك، أي: طلبوا بالاتصاف البدني والتعلق بآلات الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي. { فضربنا على آذانهم } أي: أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة ثقيلة لا ينبههم صفير الخفير ولا دعوة الداعي الخبير. في كهف البدن { سنين } ذوات عدد، أي: كثيرة أو معدودة أي: قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها، غافلين عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ الأشد الحقيقي، والموت الإرادي أوالطبيعي، كما قال: " الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا ". { ثم بعثناهم } أي: نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ومعرفتهم بالله وبنفوسهم المجرّدة { لنعلم } أي: ليظهر علمنا في مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس { أيّ الحزبين } المختلفين في مدة لبثهم وضبط غايته الذين يعينون المدة أم يكلون علمه إلى الله، فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة. يقول بعضهم: يخرج أحدهم على رأس كل ألف سنة وهو يوم عند الله، لقوله:وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج، الآية: 47]. ويقول بعضهم: على رأس كل سبعمائة عام أو على رأس كل مائة، وهو بعض يوم، كما قالوا:لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف، الآية: 19]. والمحققون المصيبون هم الذين يكلون علمه إلى الله كالذين قالوا:رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } [الكهف، الآية: 19] ولهذا لم يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت ظهور المهديّ عليه السلام، وقال: " كذب الوقّاتون ".