الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } * { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً }

{ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } أثنى الله تعالى بلسان التفصيل على نفسه باعتبار الجمع من حيث كونه منعوتاً بإنزال الكتاب وهو إدراج معنى الجمع في صورة التفصيل فهو الحامد والمحمود تفصيلاً وجمعاً، فالحمد إظهار الكمالات الإلهية والصفات الجمالية والجلالية على الذات المحمدية باعتبار العروج بعد تخصيصه إياه بنفسه في العناية الأزلية المشار إليه بالإضافة في قوله: عبده، وذلك جعل عينه في الأزل قابلة للكمال المطلق من فيضه وإيداع كتاب الجمع فيه بالقوة التي هي الاستعداد الكامل وإنزال الكتاب عليه إبراز تلك الحقائق عن ممكن الجمع الوحداني على ذلك المظهر الإنساني فهما متعاكسان باعتبار النزول والعروج والإنزال في الحقيقة حمد الله تعالى لنبيه إذ المعاني الكامنة في أغيب الغيب ما لم ينزل على قلبه فلم يمكنه حمد الله حق حمده فما لم يحمده الله لم يحمد الله بل حمده حمده كما قال: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، حمد أولاً في عين الجمع نفسه باعتبار التفصيل ثم عكس فقال: الحمد لله. { ولم يجعل له } أي: لعبده { عوجاً } أي: زيغاً وميلاً إلى الغير كما قال:مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم، الآية: 17] أي: لم ير الغير في شهوده. { قيماً } أي: جعله قيماً، يعني: مستقيماً كما أمر بقوله:فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [هود، الآية: 112]، والمعنى: جعله موحداً فانياً فيه غير محتجب في شهوده بالغير ولا بنفسه لكونها غير أيضاً ممكناً مستقيماً حال البقاء، كما قال:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت، الآية: 30]، أو جعله قيماً بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال لأنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقويمها وتزكيتها ولهذا المعنى سمى إبراهيم صلوات الله عليه أمة، وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة { لينذر } متعلق بعامل قيماً أي: جعله قيماً بأمر العباد { لينذر بأساً شديداً } وحذف المفعول الأول للتعميم لأن أحداً لا يخلو من بأس مؤمناً كان أو كافراً، كما قال تعالى: " أنذر الصدّيقين بأني غيور، وبشّر المذنبين بأني غفور " إذ البأس عبارة عن قهره ولذلك عظمه بالتنكير، أي: بأساً يليق بعظمته وعزّته ووصفه بالشدّة وخصصه بقوله: { من لدنه } والقهر قسمان: قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك، وقسم ظاهره قهر وباطنه لطف، وكذا اللطف كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: سبحان من اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة نعمته، واتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته. ومن القسم الثاني القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق الإنذار للكل تنبيهاً ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات والاستحقاقات فقال: { ويبشّر المؤمنين } أي: الموحدين لكونهم في مقابلة المشركين الذين قلوا: اتخذ الله ولداً. { الذين يعملون الصالحات } أي: الباقيات من الخيرات والفضائل لأن الأجر الحسن هو من جنة الآثار والأفعال التي تستحق بالأعمال.