{ قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } لكون الاستعداد الكامل الحامل له مخصوصاً بك وأنت قطب العالم يرشح إليهم ما يطفح منك فلا يمكنهم الإتيان بمثله ولا يطيقون حمله، ولهذا المعنى أبى أكثرهم { إلا كفوراً } واقترحوا الآيات الجسمانية المناسبة لاستعدادهم وإدراكهم كتفجير العيون من الأرض وجنّة النخيل والأعناب وإسقاط السماء عليهم كسفاً والرقي فيها والإتيان بالملائكة وسائر الممتنعات المتخيلة وأجيبوا بقوله: { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } أي: ما أمكن نزول الملائكة مع كونهم نفوساً مجرّدة على الهيئة الملكية في الأرض، بل لو نزلت لم ينزلوا إلا متجسدين، كما قال:{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام، الآية: 9] وإلا لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم، وإذا كانوا مجسدين ما صدّقتم كونهم ملائكة فشأنكم الإنكار على الحالين بل على أيّ حال كان كإنكار الخفاش ضوء الشمس. { ومن يهد الله } بمقتضى العناية الأزلية في الفطرة الأولى بنوره { فهو المهتد } خاصة دون غيره { ومن يضلل } بمنع ذلك النور عنه { فلن تجد لهم } أنصاراً يهدونه { من دونه } أو يحفظونه من قهره { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } أي: ناكسي الرؤوس لانجذابهم إلى الجهة السفلية أو على وجوداتهم وذواتهم التي كانوا عليها في الدنيا كقوله: " كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون " إذ الوجه يعبر به عن الذات الموجودة مع جميع عوارضها ولوازمها أي على الحالة الأولى من غير زيادة ونقصان { عمياً } عن الهدى، كما كانوا في الحياة الأولى { وبكماً } عن قول الحق، لعدم إدراكهم المعنى المراد بالنطق إذ ليسوا ذوي قلوب يفهم بها ويفقه، فكيف التعبير عما لم يفهم { وصمّاً } عن سماع المعقول، لعدم الفهم أيضاً، فلا يؤثر فيهم موجب الهداية لا من جهة الفهم من الله تعالى بالإلهام ولا من طريق السمع من كلام الناس ولا من طريق البصر بالاعتبار { كلما خبت زدناهم سعيراً } كقوله:{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء، الآية: 56] بل أبلغ منه ذلك بسبب احتجابهم عن صفاتنا خصوصاً قدرتنا على البعث وإنكارهم له. أنكروا ما استدلوا بخلق السموات والأرض على القدرة.