الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

{ إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } أي: يبين أحوال الفرق الثلاث من السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال يهدي إلى طريقة التوحيد التي هي أقوم الطرق للسابقين { ويبشّر المؤمنين } من أصحاب اليمين الذين آمنوا تقليداً جازماً أو تحقيقاً علمياً وداوموا على أعمال التزكية والتحلية الصالحة لأن يتوصل بها إلى الكمال { أن لهم أجراً كبيراً } من نعيم جنات الأفعال والصفات في عوالم الملك والملكوت والجبروت. { وأنّ الذين لا يؤمنون } من أصحاب الشمال { بالآخرة } لكونهم بدنيين محجوبين عن عالم النور، محبوسين في ظلمات الطبيعة { أعتدنا لهم عذاباً أليماً } في قعر سجين الطبيعة، مقيدين بسلاسل محبة السفليات وأغلال التعلقات ونيران الحرمان عن اللذات والشهوات، والتعذب بالعقارب والحيّات من غواسق الهيئات. { وجعلنا } ليل الكون وظلمة البدن ونهار الإبداع ونور الروح يتوصل بهما وبمعرفتهما إلى معرفة الذات والصفات { فمحونا آية الليل } بالفساد والفناء { وجعلنا آية النهار } بينة باقية أبداً، منيرة بكمالها، تبصر بنورها الحقائق { لتبتغوا فضلاً من ربّكم } أي: كمالكم الذي تستعدّونه { ولتعلموا عدد } المراتب والمقامات أي: لتحصوها من أول حال بدايتكم إلى كبر نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخلاقكم وأحوالكم، فلا تجدوا شيئاً من سيئات أعمالكم إلا وتكفرونه بحسنة مما يقابله من جنسه ولا رذيلة من أخلاقكم إلا وتكفرونها بضدها من الفضيلة، ولا ذنباً من ذنوب أحوالكم إلا وتكفرونه بالإنابة إلى جناب الحق { وكل شيء } من العلوم والحكم { فصلناه } بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل الفرقاني { تفصيلاً } أي: علماً تفصيلياً مستحضراً لا إجمالياً مغفولاً عنه كما في العقل القرآني عند البداية.