الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }

{ من كان يريد العاجلة } لكدورة استعداده وغلبة هواه وطبيعته { عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } أي: لا نزيده بإرادته زيادة على ماقدرنا له من النصيب في اللوح ولذلك قيده بالمشيئة ثم بقوله { لمن نريد } يعني: لو لم نقدر له شيئاً مما أراده لم نعجل له تخليصه، إنّا لا نعطي إلا ما أردنا { من أردنا ثم جعلنا له جهنَّم } أي: قعر بئر الطبيعة الظلمانية لانجذابه بإرادته إلى الجهة السفلية وميله إليها { يصلاها } بنيران الحرمان { مذموماً } عند أهل الدنيا والآخرة { مدحوراً } من جناب الرحمة والرضوان في سخط الله وقهره. { ومن أراد الآخرة } لصفاء استعداده وسلامة فطرته وقام بشرائط إرادته من الإيمان والعمل الصالح شكر سعيه بحصول مراده كما قيل: من طلب وجدَّ وَجَدَ، لأن الطلب الحقيقي والإرادة الصادقة لا يكونان إلا عند حصول استعداد المطلوب، وإذا قارن الاستعداد الدالّ على أن المطلوب حاصل له بالقوة، مقدّر له في اللوح أسباب خروج المطلوب إلى الفعل وبروزه من الغيب إلى الشهادة وهو السعي الذي ينبغي له ومن حقه أن يسعى له على هذا الوجه المعنيّ بقوله: { وسعى لها سعيها } أي: السعي الذي يحق لها بشرط الإيمان الغيبي اليقيني وجب حصوله له { كلاًّ نمدّ هؤلاء وهؤلاء } أي: كلهم من طالبي الدنيا وطالبي الآخرة نمد من عطائنا ليس بمجرد إرادتهم وسعيهم شيء وإنما إرادتهم وسعيهم معرّفات وعلامات لما قدّرنا لهم من العطاء { وما كان عطاء ربّك } ممنوعاً من أحد، لا من أهل الطاعة ولا من أهل المعصية. { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } في الدنيا بمقتضى مشيئتنا وحكمتنا { وللآخرة أكبر درجات } إذ بقدر رجحان الروح على البدن يكون رجحان درجات الآخرة على الدنيا وبقدر تفاضلهما يكون تفاضل درجاتهما.