الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }

{ إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } أي: ما فُرِض عليك إنما فرض عليهم فلا يلزمك اتباع موسى في ذلك بل اتباع إبراهيم. { ادْع إلى سبيل ربّك } الخ، أي: لتكن دعوتك منحصرة في هذه الوجوه الثلاثة لأن المدعو إما أن يكون خالياً عن الإنكار أو لا، فإن كان خالياً لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء، فإما أن يكون مستعداً غير قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو لا. فإن كان الأول فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده إلى صراط التوحيد بالمعرفة، وإن كان قاصر الاستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من الإنذار والبشارة والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب، وإن كان منكراً ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي هي أحسن من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له أنك تثبت الحق وتبطل الباطل لا غرض لك سواه. { إنّ ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله } في الأزل لشقاوته الأصلية فلا ينجع فيه أحد هذه الطرق الثلاثة { وهو أعلم بالمهتدين } المستعدّين، القابلين للهداية لصفاء الفطرة. { وإن عاقبتم } الخ، أي: الزموا سيرة العدالة والفضيلة لا تجاوزوها فإنها أقلّ درجات كمالكم، فإن كان لكم قدم في الفتوة وعرق راسخ في الفضل والكرم والمروءة فاتركوا الانتصار والانتقام ممن جنى عليكم وعارضوه بالعفو مع القدرة واصبروا على الجناية فإنه { لهو خير للصابرين } ألا تراه كيف أكده بالقسم واللام في جوابه وترك المضمر إلى المظهر حيث ما قال: لهو خير لكم، بل قال:لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [النحل، الآية: 126] للتسجيل عليهم بالمدح والتعظيم بصفة الصبر، فإن الصابر ترقى عن مقام النفس وقابل فعل نفس صاحبه بصفة القلب فلم يتكدّر بظهور صفة النفس وعارض ظلمة نفس صاحبه بنور قلبه، فكثيراً ما يندم ويتجاوز عن مقام النفس، وتنكسر سورة غضبه فيصلح، وإن لم يكن لكم هذا المقام الشريف فلا تعاقبوا المسيء لسورة الغضب بأكثر مما جنى عليكم فتظلموا، أو تتورطوا بأقبح الرذائل وأفحشها فيفسد حالكم ويزيد وبالكم على وبال الجاني.