الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وضرب الله مثلاً } للنفس المستعدّة، القابلة الصافية عن الكدورات، المستفيدة من فيض القلب، الثابتة في طريق اكتساب الفضائل، الآمنة من خوف فواتها وفنائها، المطمئنة باعتقادها { يأتيها رزقها رغداً } من العلوم النافعة والفضائل الحميدة والأنوار الشريفة { من كل مكان } أي: من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت العلوم الجزئية، والجوارح، والآلات التي تطاوعها في الأعمال الجميلة، وتمرين الفضيلة إذا كانت منقادة للقلب مطواعة له، قابلة لفيضه، باقية على معتقدها من الحق تقليداً. ومن جهة القلب كإمداد الأنوار، وهيئات الفضائل، فظهرت بصفاتها بطراً وإعجاباً بزينتها وكمالها. ونظراً إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السفلية من زخارف الدنيا واللذات الحسيّة وانقطع إمداد القلب عنها، وانقلبت المعاني الواردة إليها من طرق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت إليها { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات الحسيّة والمشتهيات { بما كانوا يصنعون } من كفران نِعَم الله باستعمالها في طلب اللذات الحسيّة والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها وإعجابها بكمالاتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيلائها على القلب بهيئاتها وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده بطلب شهواتها، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: " نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى " بقرية صفتها ما ذكر. { ولقد جاءهم رسولٌ منهم } أي: من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة والآراء الصادقة { فكذبوه } بعدم التأثر بها والانقياد لأوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل بمقتضاها وقلّة المبالاة بها، ولم يرفعوا بها رأساً عن الانهماك فيما هم عليه { فأخذهم } عذاب الاحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة ظلمهم وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم.