الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } * { قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

ولما رجع إلى مقام التفصيل وجلس على سرير الملك للخلافة. جاءه إخوته القوى الحيوانية بعد طول مفارقته إياهم في سجن الرياضة والخلوة بمصر الحضرة القدسية والاستغراق في عين الجمع { فدخلوا عليه } متقربين إليه بوسيلة التأدّب بآداب الروحانيين لاطمئنان النفس وتنوّرها وتنوّر تلك القوى بها وتدرّبها بهيئات الفضائل والأخلاق ممتارين لأقوات العلوم النافعة من الأخلاق والشرائع { فعرفهم } مع حسن حالهم وصلاحهم بالذكاء والصفاء وفقرهم واحتياجهم إلى ما يطلبون منه من المعاني { وهم له منكرون } لارتقائه عن رتبتهم بالتجرّد واتصافه بما لا يمكنهم إدراكه من الأوصاف ولهذا استحضر القوّة العاقلة العملية بقوله: { ائْتوني بأخٍ لكم من أبيكم } إذ المعاني الكلية المتعلقة بالأعمال لا يدركها إلا تلك القوة. واعلم أنّ المحبوبين يسبق كشوفهم اجتهادهم فيعلمون قواهم الشرائع والأحكام ويسوسونها بعد الوصول وإن اطمأنت نفوسهم قبله. وأما جهازهم الذي جهزهم به فهو الكيل اليسير من الجزئيات التي يمكنهم إدراكها والعمل بها، وقال: { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم } من المعاني الكلية الحاصلة { عندي ولا تقربون } لبعد رتبتكم عن رتبتي إلا بواسطته. ولما كانت العاقلة العملية إذا لم تفارق مقام العقل المحض إلى مقام الصدر لم يمكنها مرافقة القوى الحسيّة وإلقاؤها المعاني الجزئية الباعثة إياها على العمل وتحريك القوة النزوعية الشوقية نحو المصالح العقلية { قالوا سنراود عنه أباه } أي: بتصفية الاستعداد لقبول فيضه وقوله { لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم } إشارة إلى أمر القلب فتيانه القوى النباتية عند تمتيع النفس حالة الاطمئنان بإيراد موادّ قواهم التي يتقوون بها ويقتدرون على كسب كمالاتهم إذ هي بضاعتهم التي يمكنهم بها الامتياز، ورحالهم آلات إدراكاتهم ومكاسبهم { لعلهم } يعرفون قواهم وقدرهم على الاكتساب { إذا انقلبوا إلى أهلهم } من سائر القوى الحيوانية كالغضبية والشهوانية وأمثالهما { لعلهم يرجعون } إلى مقام الاسترباح والامتياز من قوت المعاني والعلوم النافعة بتلك البضاعة { فلما رجعوا إلى أبيهم } بتصفية الاستعداد والتمرّن بهيئات الفضائل اقتضوه إرسال القوة العاقلة العملية معهم لإمدادهم في فضائل الأخلاق بالمعاني دائماً، أي: استمدّوا من فيضه { نكتل } أي: نستفد منه وإنا لا نستنزله إلى تحصيل مطالبنا فنهلكه كما فعلنا حالة الجاهلية بأخيه بل نحفظه بالتعهد له ومراعاته في طريق الكمال. وأخذ العهد منهم في إرساله معهم واستيثاقه عبارة عن تقديم الاعتقاد الصحيح الإيماني على العمل وإلزامهم ذلك العقد أولاً وإلا لم يستقم حالهم في العمل ولم ينجح.