الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } * { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } أي: آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أولاً على أن الاصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة الله تعالى لا يتعلق بسعي ساع ولا إرادة مريد، فيعلمون مراتب الاستعدادات في الأزل. وثانياً: على أنّ من أراد الله به خيراً لم يكن لأحد دفعه ومن عصمه الله لم يكن لأحد رميه بسوء ولا قصده بشرّ، فيقوى يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته. وثالثاً: على أنّ كيد الشيطان وإغواءه أمر لا يأمن منه أحد حتى الأنبياء، فيكونون منه على حذر، وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي هو الانتقال الذهني على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى الله فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ بصيرتهم وتقوّي عزيمتهم وذلك أن مثل يوسف مثل القلب المستعدّ الذي هو في غاية الحسن، المحبوب، المرموق إلى أبيه يعقوب العقل، المحسود من إخوته من العلات، أي: الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة بنى النفس إلا الذاكرة، فإنها لا تحسده ولا تقصده بسوء، فبقيت إحدى عشرة على عددهم. وأما حسدهم عليه وقصدهم بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كمالات القلب من العلوم والأخلاق وتكره ذلك ولا تريد إلا استعماله إياها في تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية. ولا شك أن الفكر نظره إلى القلب أكثر، وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم والفضائل أشدّ وأوفر، وذلك معنى قولهم: { ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا } وأخوه هو: القوّة العاقلة العملية من أمّ يوسف القلب التي هي راحيل النفس اللوامة التي تزوّجها يعقوب القلب بعد وفاة ليا النفس الأمّارة، وإنما قالوا { ليوسف وأخوه } لأن العقل كما يقتضي تكميل القلب بالعلوم والمعارف يقتضي تكميل هذه القوة باستنباط أنواع الفضائل من الأخلاق الجميلة والأعمال الشريفة ونسبتهم إياه إلى الضلال الذي هو البعد عن الصواب بقولهم: { إن أبانا لفي ضلال مبين } قصورها عن النظر العقلي وبعد طريقه عن طريقتها في تحصيل الملاذ البدنية وإلقاؤهم إياه في غيابة الجبّ استيلاؤها على القلب وجذبها إياه إلى الجهة السفلية بحدوث محبّة البدن وموافقاته له حتى ألقي في قعر جبّ الطبيعة البدنية، إلا أنه أُلْبِسَ قميصاً من الجنة أتى به جبريل إبراهيم عليهما السلام يوم جرّد وأُلقِيَ في النار، فألبسه إياه وورثه إسحاق وورثه منه يعقوب فعلقه في تميمة على عنقه، فأتاه جبريل عليه السلام في البئر فأخرجه وألبسه إياه، وإلا لغمره الماء وظهرت عورته، كما قيل. وهو إشارة إلى صفة الاستعداد الأصلي والنور الفطريّ وذلك هو الذي منع إبراهيم عن النار وحماه بإذن الله حتى صارت عليه برداً وسلاماً.

السابقالتالي
2