الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }

{ فَاسْتَقِم كما أُمِرْت } في القيام بحقوق الله بالله، فإنه عليه الصلاة والسلام مأمور بمحافظة حقوق الله والتعظيم لأمره والتسديد لخلقه بضبط أحكام التجليات الصفاتية بعد الرجوع إلى الخلق مع شهود الوحدة الذاتية بحيث لا يتحرك ولا يسكن ولا ينطق ولا يتفكّر إلا به من غير ظهور تلوين من بقايا صفاته أو ذاته ولا يخطر له خاطر بغيره من غير إخلال بشرط ما من شرائط التعظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: " أفلا أكون عبداً شكوراً؟ " حين تورمت قدماه من قيام الليل وقيل له: أما بشرك الله بقوله:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح، الآية: 2]؟، ولا بدقيقة من باب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف والإنذار والدعوة وذلك في غاية الصعوبة. ولهذا قال: " " شيبتني سورة هود ". قيل: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض العرفاء في المنام، فسأله عن ذلك وقال: لماذا يا رسول الله؟ ألقصص الأنبياء وما نزل بأممهم المكّذبين من العذاب وما كانوا يقاسون من أممهم؟، قال: لا، بل لقوله تعالى: { فاستقم كما أُمرت }. " { ومن تَاب } عن أنيته وذنب وجوده { معكَ } من الموحدين الواصلين إلى شهود الكثرة في عين الوحدة ومقام البقاء بعد الفناء { ولا تَطْغوا } بالاحتجاب بحجاب الأنائية ونسبة الكمالات الإلهية المطلقة إلى أنائيتكم المشخصة المقيدة برؤيتها لكم، الموجبة للاحتجاب بالتقيد عن الإطلاق، فإن الهوية الإلهية لا تتقيد بإشارة الهذية والأنائية { إنه بما تعملون بصير } أتعملونه بي أم بأنفسكم؟. { ولا تَرْكنوا إلى الذين ظَلموا } أي: أشركوا بهوى كامن، ناشئ عن وجود بقية خفية أو التفات خفيّ إلى إثبات غيره، فإنه هو الزيغ المقارن للطغيان في قوله:مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم، الآية: 17]، { فتمسّكم } نار السخط والحرمان بالاحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب، كما قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: " بشر المذنبين بأني غفور، وأنذر الصديقين بأني غيور " ولهذا المعنى قال: " والمخلصون على خطر عظيم " فإن دقائق ذنوب أحوالهم أدقّ من أن تُدْرك بالعقل وأشد عقاباً من أن تتوهم بالوهم { وما لكم } حينئذ { من دون الله من أولياء يتولونكم من عقابه ويدبرون أموركم ويربونكم { ثم لا تُنْصَرون } من بأسه، وهذا تهديد لأوليائه فكيف بأعدائه.