الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } * { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة } أي: تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد والإنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب والتحريض على الأعمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء { وشفاء لما في الصدور } أي: القلوب من أمراضها كالشك والنفاق والغلّ والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها لقبول المعارف والتنوّر بنور التوحيد، والتهيئ لتجليات الصفات { وهدىً } لأرواحكم إلى الشهود الذاتي { ورحمة } بإفاضة الكمالات اللائقة بكل مقام من المقامات الثلاث بعد حصول الاستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقام القلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية { للمؤمنين } بالتصديق أولاً ثم باليقين ثانياً ثم بالعيان ثالثاً. { قُلْ بِفَضْل الله } أي: بتوفيقه للقبول في المقامات الثلاثة { وبرحمته } بالمواهب الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب الثلاث فليعتنوا وإن كانوا يفرحون { فبذلك فليفرحوا } لا بالأمور الفانية القليلة المقدار، الدنيئة القدر والوقع { هو خيرٌ مما يجمعون } من الخسائس الفاسدة والمحقرات الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة. { قل أرأيتم ما أنزل الله } إلى آخره، أي: أخبروني ما أنزل الله من رزق معنوي كالحقائق والمعارف والأحوال والمواهب وكالآداب والشرائع والمواعظ والنصائح { فجعلتم } بعضه { حراماً } كالقسم الأول { و } بعضه { حلالاً } كالقسم الثاني { قل الله أذن لكم } في الحكم بالتحريم والتحليل { أم على الله تفترون وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة } الوسطى بتجرّد القلب عن ملابس النفس وحصول اليقين أو يوم القيامة الكبرى بالتوحيد الذاتي وظهور العيان، أي: لا يبقى ظنهم وليس شيئاً حينئذ أو يوم القيامة الصغرى بالموت وحصول الحرمان أي: يكون ظنهم وبالاً وعذاباً حينئذ { إنّ الله لذو فضل على الناس } بصنفي العلمين وإفاضتهما وتوفيق القبول لهما وتهيئة الاستعداد لقبولهما { ولكن أكثرهم لا يشكرون } نعمته فيستعملون ما وهب لهم من الاستعداد والعلوم في تحصيل المنافع الجزئية والمطالب الحسية ويكفرون نعمته فيمنعون عن الزيادة. { ألا إن أوليَاء الله } المستغرقين في عين الهوية الأحدية بفناء الأنية { لا خوف عليهم } إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها من حرمان ولا غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه { ولا هم يحزنون } لامتناع فوات شيء من الكمالات واللذات منهم، فيحزنوا عليه. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل من هم؟ فقال: " هم الذين يذكروا الله برؤيتهم " وهذا رمز لطيف منه عليه السلام. وعن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله " ، قالوا: يا رسول الله، أخبرنا من هم وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم. قال: " هم قوم تحابّوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس "

السابقالتالي
2