{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة } أي: تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد والإنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب والتحريض على الأعمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء { وشفاء لما في الصدور } أي: القلوب من أمراضها كالشك والنفاق والغلّ والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها لقبول المعارف والتنوّر بنور التوحيد، والتهيئ لتجليات الصفات { وهدىً } لأرواحكم إلى الشهود الذاتي { ورحمة } بإفاضة الكمالات اللائقة بكل مقام من المقامات الثلاث بعد حصول الاستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقام القلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية { للمؤمنين } بالتصديق أولاً ثم باليقين ثانياً ثم بالعيان ثالثاً. { قُلْ بِفَضْل الله } أي: بتوفيقه للقبول في المقامات الثلاثة { وبرحمته } بالمواهب الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب الثلاث فليعتنوا وإن كانوا يفرحون { فبذلك فليفرحوا } لا بالأمور الفانية القليلة المقدار، الدنيئة القدر والوقع { هو خيرٌ مما يجمعون } من الخسائس الفاسدة والمحقرات الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة. { قل أرأيتم ما أنزل الله } إلى آخره، أي: أخبروني ما أنزل الله من رزق معنوي كالحقائق والمعارف والأحوال والمواهب وكالآداب والشرائع والمواعظ والنصائح { فجعلتم } بعضه { حراماً } كالقسم الأول { و } بعضه { حلالاً } كالقسم الثاني { قل الله أذن لكم } في الحكم بالتحريم والتحليل { أم على الله تفترون وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة } الوسطى بتجرّد القلب عن ملابس النفس وحصول اليقين أو يوم القيامة الكبرى بالتوحيد الذاتي وظهور العيان، أي: لا يبقى ظنهم وليس شيئاً حينئذ أو يوم القيامة الصغرى بالموت وحصول الحرمان أي: يكون ظنهم وبالاً وعذاباً حينئذ { إنّ الله لذو فضل على الناس } بصنفي العلمين وإفاضتهما وتوفيق القبول لهما وتهيئة الاستعداد لقبولهما { ولكن أكثرهم لا يشكرون } نعمته فيستعملون ما وهب لهم من الاستعداد والعلوم في تحصيل المنافع الجزئية والمطالب الحسية ويكفرون نعمته فيمنعون عن الزيادة. { ألا إن أوليَاء الله } المستغرقين في عين الهوية الأحدية بفناء الأنية { لا خوف عليهم } إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها من حرمان ولا غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه { ولا هم يحزنون } لامتناع فوات شيء من الكمالات واللذات منهم، فيحزنوا عليه. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل من هم؟ فقال: " هم الذين يذكروا الله برؤيتهم " وهذا رمز لطيف منه عليه السلام. وعن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله " ، قالوا: يا رسول الله، أخبرنا من هم وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم. قال: " هم قوم تحابّوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس "