الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } وصف الله زمرة اهل المراقبات ومجالس المحاضرات والهائمين فى المشاهدات والمستغرقين فى بحار الازليات الذين أنحَلُوا جسومهم بالمشاهدات وامرضوا نفوسهم بالرياضات واذابوا قلوبهم بدوام الذكر وجولانها فى الفكر وخرجوا بعقائدهم الصافية عن الدنيا الفانية بمشاهدته الباقية بأن رفع عنهم بفضله حرج الامتحان وابقاهم فى مجالس الانس ورياض الايقان وقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } يعنى الذين بأضعفهم حمل اوقار المحبة { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } الذين امرضهم مرارة الصبابات { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } الذين يتجردون عن الاكوان بتجريد التوحيد وحقائق التفريد { حَرَجٌ } عتاب من جهة العبودية والمجاهدة لانهم مقتولون بسيف المحبة مطروحون بباب الوصلة ضعفهم من الشوق ومرضهم من الحب وفقرهم من حسن الرضا ثم زاد فى وصفهم بالشفقة على دين الله وعلى سنة رسوله بقوله { إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } اذا عرفوا عباد الله طريق الله والاسوة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وصفهم بترائى قلوبهم هلال جلاله بنعت بذل ارواحهم ونفوسهم لله فى الخلوات وبين انهم فائزون من نكايات المكر والامتحان وجميع البليات والعقوبات بقوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } اى ما على المشاهدين جلاله وجماله سبيل الحجاب وقارعة العتاب لانه كان فى الازل اختارهم برحمته السابقة وغفر فى القدم تقصيرهم فى المعرفة بأنه علم ان الخلق يعجزون عن حمل بوادى عظمته واوائل كشف سلطان كبريائه قال { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال بعضهم فى قوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } من لم يكن من القدرة فقد رفع عنه الحرج قال ابن طاهر لو لم يكن فى الفقر والقلة اسقاط الحرج عن صاحبه لكان ذلك عظيما قال الله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } وقال القاسم فى قوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } من يرى الاحسان كله من الله فلا يكون لاحد عليه سبيل وقد وقع لى فى قوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } اى ما على من اصفاه الله فى سابق احسانه عليه تغيير لاصطفائيته قط واحسانه لله فيه وشهوده عليه وشهود العبد مشاهدته بشرط ان لا يرى لغير الله وزنا من نفسه وجميع الاكوان حتى لا يجد عليه احد سبيل المنة ثم وصف هؤلاء المحسنين بالفقر والظرافة فيه بنعت بذل الوجود وصدق لقاء المحمود بقوله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } اى لترفعهم عن رؤية غير الله حتى رؤية ما وجدوا من الله من حظوظ حلاوة مشاهدته الى الفناء فيه حتى لا يبقى فيهم غير حظ الله منهم ايضاً اى لتحملهم بالله حتى يكونوا معك فى مشاهدة الله ابدا ولا يتقطعوا عنك طرفة عين ثم بين الله سبحانه وصف القوم برغبتهم فى بذل وجودهم لله وسرعة مسارعتهم الى الله وشدة شوقهم اليه وكثرة حزنهم بما فاتوا عنهم من حقوق الطريقة بتمام الاية مما اجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } اى لا اجد من العرش الى الثرى شيئا يحملكم غير الله ثم قال { تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً } بيّن ان البكاء من الحزن هو بكاء المريدين لان بكاء العارفين والمحبين من الفرح بالله قال النصرابادى فى قوله { إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } اى يحملهم على الاقبال علينا والثقة بنا والرجوع وقال ايضا يحملهم اى فتحمل عنهم اثقال المخالفات ثم بيّن ان العتاب على من سكن الى الدنيا وفرح بها بقوله { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ } وصف المتقاعدين عن الحق وعن السيرالى معارك شهداء العشق الذين قتلوا بسيوف المحبة بأشتغالهم بنفوسهم الامارة وهواها القاطعة سبيل طلعة الله سبيل العار والشنار عليهم لانهم تركوا حظ الاكبر حظاً الاصغر قال النصرابادى الزم الله الندم الاغنياء لانهم اعتمدوا املاكهم واموالهم واستغنوا بها ولو اعتمدوا الى الله واستغنوا به لما الزموا المذمة ثم وصف تكلف اهل الدنيا فى انفاقهم بالنفاق والرياء والسمعة ثم رأوا ذلك ايضاً غرامة لانهم لم يعرفوا مما يطلبون ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.