الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله تعالى { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } ان الله سبحانه وعد اعلى شهود الغيب من الموقنين الصادقين فى رؤية الاخرة واللحوق بالله وهذا الوعد منه تعالى وصول نقد لان الخبر منا معاينة حيث تهب روائح قدسه لاهل الانس وينشقها مع طيبها ارواحهم وقلوبهم لاجل ذلك هاموا فى شوقه وغابوا فى حبه وطاروا من الفرح بوصاله وما قرن هذا الوعد بشرط من شروط العبودية فى نفس الاية يدل عنه فضل بلا علة ووصول أهلها الى معادنها لان تراب اهل العرفان من معدن الرضوان قال تعالىإِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } اصطفاهم الله فى الازل لحضرته وسماهم المؤمنين اى الصادقين فيما راوا بقلوبهم انوار الغيب والمؤمن اذا كان صادقا فهو صالح وشهيد لانه اتبع ببذل نفسه وروحه بمن استنشق من الغيب من نسيم الوصاف وهو مقبول بحبه بمشاهدة الجمال ولا يبالى الله بما جرى على صورته من الزلات فان المؤمن اذا باشر معصية ندم وعض بتلك المعصية له وصار مرامه منغصا بندامته ويذوب قلبه رجاء ربه وكأن معصيته طاعة وعدهم بالجنات وقلوبهم فى جنات المشاهدة فكيف يلتفتون الى الجنة ووعدهم بالمساكن الطيبة وهم ساكنون بارواحهم فى مشاهدة جماله وقربه ووصاله ويجرى عليهم واردات لذة خطابه ولذائذ لطائف ذكره طابت نفوسهم فى مساكن طاعاته باسترواحهم بنسيم مروحة رجاء وصاله وطابت عقولهم بدورانها فى انوار اياته وطابت قلوبهم بشهودها على مشارب صفاته فتشرب منها شربات المحبة وتسكر برؤيتها بنعت الحيرة وطابت ارواحهم بطيرانها فى سبحات ذاته بأجنحة رضوانه فهى تعلق ابدا الى مساكن كشف قدمه وجلال سرمدية رضوانه الاكبر بتسلم صبح الصفات فى وجوه الهائمين فى محبة مشاهدة الذات يا اخى هؤلاء فى الدّنيا فى طيب مساكن الوصلة وجنات عدن القربة وما داموا هٱهنا فى هذه الغربة وجدوا ما يعاين لاهل الوعد فلا ينالون بالغد، فإن قلب جميع المساكن لا يكون الا برؤيته وجماله ومن ادرك ذلك كيف يلتفت الى حسن النظر وطيب المسكن وان كان فى موضع وحش وانشد
تمنيت من حبى يثينه أننا   على مدمك فى البحر ليس لنا وقر
وفي كل موضع لم يكن مما وصفنا به اثر   فهو خراب مستوحش وان كان الجنة
اجيراننا ما اوحش الدار بعدكم   اذا غبتم عنها ونحن حضور
ويقال قوم يطيب مسكنه لوجود عطائه   وقوم يطيب مسكنه بشهود لقائه
وانى لاهوى الدار لا يستفزني   بها الرد الا انها من دياركا
وقال الاستاذ اماراة هذا الرضوان وجدان طعمه فقدان فهو فى روح الانس وروح الانس لا يتقاصى عن راحة دار القدس بل هو اتم واعظم ثم حث نبيه عليه السّلام بجهاد من خاله يخالف حال هؤلاء حتى تطهر وجه الارض من الأغيار وذلك من غيرة الجبار على اهل تلك الدار بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } الكفار النفوس الامارة وجهادها اماتة شهواتها والمنافقين هم ابليس وجنوده وجهادهم تضايقهم طريق الوسواس بالجوع الدائم والحزن القائم والزجر الغليظ عليهم يكون من القلب الروحانى المملوء من نور الربانى وفيه رخصة زجر المدعين فيجوز الصادق ان يزجرهم ويعرض عنهم قال محمد بن على { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ } بالسيف { وَٱلْمُنَافِقِينَ } باللسان وقال سهل النفس كافرة فجاهدها بسيف المخالفة واحملها حمولات الندم وسيرها فى مفاوز الخوف لعلك تردها الى طريق التوبة والانابة ولا يصح التوبة الا لمتحير فى امره مبهوت فى شأنه واله القلب مما جرى عليه قال الله

السابقالتالي
2