الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } اخبر سبحانه ان طينة النفاق فى وقت مباشرة قهره فيها بعضها من بعض وما يتولد من قطرة نفاقهم يستحسنه بعضهم من بعض ويأمرون بعضهم مخالفة الله ومخالفة رسوله فى إيذائهم اولياء الله قال ابو بكر الوراق المنافق ستر المنافق يستر عليه عوراته والمؤمن مرآة المؤمن يبصر عيوبه ويدله على سبيل نجاته قوله تعالى { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } وصف الله بخل المنافقين وقلة نصرهم للمؤمنين واقباض ايديهم يرفعها الى الدعاء وغيظهم للمؤمنين حين يقبضون ايديهم من الغضب فى نفوسهم وخلواتهم وراء الستور بالوكزات لاهل الحق وهذا صفة المبغضين اذا جلس واحد منهم يعض انامله ويقبض يده ويهيج قلبه حسدا وعداوة على اولياء الله قال اللهوَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } ثم بين ان هذا الغيظ من تولد نسيانهم قهر الله فى بطش جبروته وبروز عظائم انوار ملكوته لم يكونوا من اهل الذكر فطرى عليهم طريان النسيان لم يذوقوا حقائق الذكر تركوا امر الله لجهلهم بجلال الله فتركهم الله فى ظلمات قهره يعمهون لا يرون سبيل الرشد ابداً وهكذا وصف من ادعى معرفة الله ولم يذق طعم محبة الله ولا يستقيم فى دعواه ونفر من الطريق الى جمع الدنيا من قلة صبرهم مع اولياء الله فيجمعون الدنيا ويحتجبون بها عن ذكر الله فتركهم الله فى حبها وحب جاهها ولا ينفقون منها فى طريق الله قال الله { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } قال بعضهم يقبضون ايديهم عن رفعها الى مولاها فى الدعوة والحوائج كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه راى كأنه فى الموقف ويده على صدره كاستطعام المسكين
ها إن مددت يدى اليك فردها   بالوصل لا بشماتة الحساد
وقيل يقبضون ايديهم عن الصدقة وقيل يقبضون ايديهم عن معونة المسكين وقال سهل فى قوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } نسوا نعم الله عندهم فانساهم الله شكر النعم وصف المؤمنين والمؤمنات بالموافقات فى جميع الخيرات بقوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } لان ارواحهم كان مستغرقاً فى انوار القدم وهى تعالى الف هناك بين الارواح بانها من جواهر انوار الملكوت الفت بعضها بعضا بألف الله سبحانه فى مشاهدة جماله حين اذاقها طعم وصاله فاحب المؤمنون بعضهم بعضاً محبة الله فى قلوبهم ويتعاونون بعضهم بعضا فى عبادة الله ونصرة انبياء الله واوليائه وقال ابو عثمان المؤمنون انصار يتعاونون على العبادة ويتبادرون اليها وكل واحد منهم يشد ظهر صاحبه ويعينه على سبيل نجاته الا ترى النبى صلى الله عليه وسلم يقول " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وقال " المؤمنون كالجسد الواحد " قال الله { ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } وقال ابو بكر الوراق المؤمن تولى المؤمن طبعا وسجية.