الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ }

قوله تعالى: { عَفَا ٱللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ } ان من سنة الله سبحانه اذا اراد ان يفتح كنزا من كنوز غرائب علمه ونوال قربه ولطائف وصلته على احد من احبائه واصفيائه وانبيائه اوقعهم فى محل الامتحان واجرى عليه زلة من زلل الحدثان حتى يضيق صدره بالغيبة ويذوق قلبه مرارة الفرقة ويذوب روحه من الندامة ويطيح عقله من حشمة العتاب ويزول شجه من دار الاحتجاب فيطلع الله شمس عزة جلاله من مطلع قلبه وينتسم صبح الوصال من مشرق روحه ويبدو انوار الصفات من روازن اسراره ويشرق سبحات الذات فى ارض فؤاده ويتنور مجامع عقله بظهور سنا افعاله فيرى العبد فى البسط بعد القبض مشاهدة بديهية ووصلة ابدية وخطايا سرمدية يطير بانوارها فى الازال والاباد ويصير زلته زلفة وذنبه كشف وصله ويقابل الله منه ذنبه بجميع حسنات العالمين لانه مصطفى فى الازل بمحبته ومجتبى بنوال قربه فى القدم ويكون سيئاته حسنات وزلاته زلفات لانه مختار الله فى ارضه وعروسه بين عباده جميع حركاته تقع حسنة وافعاله تكون عند الله مستحسنة وهكذا شأن الاحباب المحب يعتذر لزلة حبيبه ويعشق على غيرة معشوقه لان من كان حسناً فما يبدو منه ايضاً يكون حسناً.
فان نطقت جاءت بكل ملاحة   وان سكنت جاءت بكل جميل
ملاحته وحسن وجهه يعتذر   لذنبه فى وجه شافع يمحو اساءته
عن القلوب ويأتى بالمعاذير   
واذا الحبيب أتى بذنب واحد   جاءت محاسنه بألف شفيع
ما حطك الواشون عن رتبة   عندىوما ضرك مغتابُ
كأنهم ائنوا ولم يعلموا   عليك عندى بالذى عابوا
ولما سبقت الاصطفائية له قبل وقوع المعاملات سبق منه العفو له قبل الزلات كان عليه السّلام من عظمته فى المعرفة اذا جرى عليه حكم له موقع العتاب خاطبه الله قبله بعفو وتلطف حتى لا يفنى وجوده فى رؤية جلاله وهيبته من حدة الحياء والاحتشام ولا يكون الا لمن كان معرفته كاملة الا ترى الى قوله عليه السّلام " انا اعرفكم بالله واخوفكم منه " قيل ان الله اذا عاتب انبياءه وأولياءه عاتبهم ببر قبلها او بعدها الا تراه يقول { عَفَا ٱللَّهُ عَنْكَ } وقال الحسين بن منصور قدس الله روحه الانبياء مبسوطون على مقاديرهم واختلاف مقاماتهم وكل يطيع حظه باستعمال الادب بين يدى الحق وكل ادب على ترك الاستعمال فمنهم من انس قبل التاديب ومنهم من انس بعد التأديب على اختلاف مقاماتهم فاما محمد صلى الله عليه وسلم فانه انس قبل التأديب اذ لو انس بعد التأديب لتفطر لقربه من الحق وذلك ان الحق تعالى امره بقولهفَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } ثم قال مودباً له على ذلك { عَفَا ٱللَّهُ عَنْكَ } لذاب وهذا غاية القرب وقال تعالى حاكياً عن نوح عليه السّلام

السابقالتالي
2