الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } اخبر سبحانه ان الاولياء والاصفياء لا تخلو قلوبهم من قوارع خطرات الامتحانية مع شرفهم بالولاية واصطفائيته بالكرامة ليعلم الحق ان ولايتهم غير مكتسبة بالاعمال وهذا تعريفه تعالى مواضع نعمه لهم واختياره لهم المنازل الرفيعة فى الازل ومعنى الاية اى حيث تبرأتم من حولكم وقوتكم وافتقرتم الىّ وفررتم منى الى نصرتكم على عدوكم بحولى وقوتى حين شاهدتم عزة ازليتى وجلال ابديتى وحين نظرتم الى حولكم وقوتكم واحتجبتم بها عن مشاهدة قدرتى ونصري تركتكم مع انفسكم قال جعفر استجلاب النصر فى شئ واحد وهو الذلة والافتقار والعجز لقوله { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } لم تقوموا فيها بانفسكم ولم تشهدوا قوتكم وكثرتكم وعلمتم ان النصر لا يوجد بالقوة وان الله هو الناصر المعين ومتى علم العبد حقيقة ضعفه نصره الله وحلول الخذلان بشئ واحد وهو العجب قال الله { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } فلما عاينوا القدر من انفسهم دون الله رماهم الله بالهزيمة وضيق الارض عليهم { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } موكولين الى حولكم وقوتكم وكثرتكم فلما راى تقصيرهم بصرف عيونهم عن مشاهدة الله الى انفسهم وطرفة عين وندموا على ذلك ورجعوا بعد الامتحان الى ساحة الرحمن البسهم الله انوار قربه وكساهم سنا قدرته وهيبته ولذذ قلوبهم بحسن عنايته حتى قويت بها فى احتمالها اثقال عبوديته وبين ذلك بقوله سبحانه { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } والاشارة فيه ان قلب نبيه صلى الله عليه وسلم كان لم يخل ايضاً من شواهد امتحانه لان الحق حق والخلق خلق ولذلك قال { أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } كان عليه الصلاة والسّلام فى مثل ذلك يقول " انه ليغانّ على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة " سكينته زيادة انوار كشف مشاهدة الله له حين خاف من مكر الازل فاراه الله اصطفائيته الازلية وأمَّنه من مكره لانه ينظر من الحق الى نفسه طرفة عين لكن اذا غاب فى بحار القدم لم ير للحدث اثرا وراى الحدثان متلاشية فى قبض بطش العظمة ففزع منه به فآواه الله منه اليه حتى سكن به عنه سكينته بالدنو حيث قالدَنَا فَتَدَلَّىٰ } وثباته بدنو الدنو بقولهفَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } فلما وصفه بالمرتبة الاعلى والمشاهدة الادنى وسكينته قربة الاصفى زاد فى وصفه حين لم ير فى مشاهدة القدم ما خرج من العدم بقولهمَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } سكينته كان من رؤية الذات وسكينة المؤمنين من رؤية الصفات قال بعضهم السكينة التى انزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هى التى اظهر عليه ليل المسرى عند سدر المنتهى فما زاغ وما طغى بل السكينة اقامته مقام الدنو بحسن الادب ناظرا الى الحق مستمعاً منه مثنياً به عليه بقوله التحيات لله والسكينة التى نزلت على المؤمنين هو سكون قلوبهم الى ما ياتيهم به المصطفى صلى الله عليه وسلم من وعد ووعيد وبشارة وحكم وقيل السكينة المقام مع الله بفناء الحظوظ قال الاستاذ السكينة استحكام القلب عند جريان حكم الرب بنعت الاطمأنينة بخمود اثار البشرية بالكليّة والرضا بالبادى من الغيب من غير معارضة واختيار ويقال السكينة القرار على بساط الشهود بشواهد التأديب باقامة صفات العبودية من غير لحوق مشقة ولا تحرك عرق بمعارضة حكم وذكر تمام ونعمته بانزال الملائكة عليهم بقوله { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } وفى لطيف الاشارة الجنود روادف اثار قوى تجلى الحق بغير الاحتجاب ونعت الانقطاع قال الاستاذ الجنود هٰهنا بها وفود اليقين وزوائد الاستبصار ثم ان الله سبحانه وصف من كان مجبولا فى الازل بسمة السعادة وبقى فى حجاب النكرة يخرجه بانوار سوابق حكمه من ظلمات قهره بقوله { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } كشف لهم ما غاب عنهم من انوار معدن الغيب وهداهم بها الى محل شهود الحضرة ومن عليهم بكشف المشاهدة واوصلهم اليه بالرحمة وسترهم بوصله عن عين الفرقة وذلك قوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ما اكرم مولانا تعالى سبقت رحمته ومغفرته لعباده فى الازل مع علمه بما يبدو لهم من العصيان ولم يكن عليهم غضبا ولم يسلب منهم غفرانا سبحانه ما الطف شأنه قال الاستاذ ردّهم من الجهل الى حقائق العلم ثم نقلهم من تلك المنازل الى مشاهد اليقين ثم رقاهم ان تلك الجملة بما لا فهم به من عين الجمع ثم إن الله اعلمنا بفضله ان من لم يكن خاطره مطهرا بمياه التوحيد من بحر التفريد من ادناس الوساوس ورياء الناس لا يصلح لمقام القرب والاستئناس بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } بين ان من بقى فى قلبه فى عبودية خالقه نظر الى غيره والى نفسه لا يجوز ان يدنو مجالس اوليائه فان صحبته تشوش خواطرهم وتنجس بنفسه انفاسهم وحذر العارفين أيضاً من صحبة المخالفين لانهم غرائس الله ولا يجوز ان ينظر اليهم قال الجنيد الصوفية اهل بيت لا يدخل فيهم غيرهم والاشارة فيه ايضا ان من عكس فيه اثار قهر القدم اوقعه فى بحر رؤية نفسه وتلك الرؤية نجاسة بقيت فى قلبه ولا تقرب بها من مواقف القدسية من عالم الملكوت والجبروت قال ابو صالح حمدون المشرك فى عمله من يحسن ظاهره لملاقاة الناس ومجاورتهم ويظهر للخلق احسن ما عنده وينظر الى نفسه بعين الرضا عنها بما اظهر عليها من زينة العبادات وينجس باطنه بمخالفة ما اظهره هو الريا والشهوات وسائر المخالفات فذاك المشرك فى عبادته النجس باطنه ولا يصلح لبساط القدس الا المقدس ظاهراً و باطنا سرا وعلنا لان الله تعالى قال { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ومن كان نجسا فان الامكنة لا تطهره وستر الظاهر عليه لا ينظفه وقال الاستاد فقدوا طهارة الاسرار بماء التوحيد وبقوا فى قذرات الظنون والاوهام تمتعوا قربان المساجد التى هى مشاهد القرب ثم ان الله سبحانه وعد العارفين بان يكسيهم كسوة غنى بقائه حتى لا يحتاجوا بالنظر الى سواهم بقوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } اذا اخرجتم اهل الدنيا من بين سفير الاعلى من المقربين الذين نعوتهم الفقر وسماتهم التصوف والعبادة ويخطر على قلوبكم انقطاع مواساتهم لكم فانا اغنيكم عما سواى وارزقكم من غير وسيلة يحتجبون بها عنى قال الاستاد توقع الارفاق من الاسباب من قضايا انغلاق باب التوحيد ومن لم يفرد معبوده بالقسمة بقى فى فقر سرمد ويقال من اناخ بعفوة كرم مولاه واستمطر سحاب جوده بفناه عن كل سبب وكفاه كل تعب وقضى له كل سؤل وادب واعطاه من غير طلب.